يعمل "اليدالي ولد أبيه" فى ورشة لإصلاح السيارات فى منطقة تنسويلم بالعاصمة الموريتانية نوكشوط، ويقول إنه يعمل لمساعدة والدته وإخوته الأربعة بعدما ترك الدراسة فى المرحلة الابتدائية.
يحصل اليدالي (12 سنة) على أجر يومي ضئيل قدره نحو دولارين، لكنه يتعلم مهنة إصلاح السيارات ويمني نفسه بإتقان المهنة التي ستدر عليه دخلاً محترماً.
لا يخفي الصبي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، امتعاضه من المعاملة القاسية التي يقابله بها صاحب الكراج، هو يحمل له المعدات وبعضها ثقيل، وينفذ جميع طلباته وأوامره، وفى بعض الأيام لا يدفع له شيئاً؛ لكنه يعتبر إتقان المهنة يستحق ذلك.
وتنتشر عمالة الأطفال فى موريتانيا، إذ إن أكثر "من ربع الأطفال (26 في المائة) بين سن 15 و17 سنة يعملون"، بحسب تقرير صادر، مطلع الشهر الجاري، عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (رسمية).
وتنتشر عمالة الأطفال فى ورشات إصلاح السيارات "كاراجات"، إضافة إلى خادمات المنازل فضلاً عن لجوء بعض مدرسي الكتاتيب القرآنية إلى استخدام الأطفال فى التسول.
ويقدر عدد الأطفال الذين يعملون فى موريتانيا بنحو 80 ألف طفل، يعملون فى مهن مختلفة، ويعتبر التفكك الأسري والتسرب المدرسي أبرز أسباب انتشار عمالة الأطفال فى موريتانيا وتتداخل عوامل اجتماعية واقتصادية لبقاء هذه الظاهرة.
"آدما صيدو"، صاحب ورشة لإصلاح السيارات فى منطقة "سيتي" في تفرغ زينة، ويعمل معه ثلاثة أطفال أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشرة، يقول إنهم أبناء إخوته، وإنه يعلمهم أسرار مهنة إصلاح السيارات.
ويؤكد صيدو لـ"العربي الجديد"، أن عمل الأطفال أفضل من تركهم فى المنزل أو الشارع، "يمكن أن يلتحقوا بالعصابات"، أما الدراسة فهي لا تنفع مع كل الأطفال "بعضهم ينجح وبعضهم لا ينجح".
رفض صيدو أن نتحدث إلى الأطفال الذين يعملون له أو نلتقط صورة لهم، لكنه أكد أنه يعاملهم معاملة طيبة، قائلاً: "هل يمكن أن أعامل أبناء إخوتي بقسوة؟"
وتعمل آمنتا تيجاني (13 سنة) منذ قدمت، قبل عام، إلى نواكشوط، كخادمة منزل، وهي لم تدخل المدرسة فى حياتها ولا تقرأ ولا تكتب، تعمل ساعات طويلة متواصلة، وتقول، إنها تفضل الدراسة، لكنها لا تستطيع أن تذهب إلى المدرسة لأن أسرتها لا تملك نقوداً.
وصادقت الحكومة الموريتانية على خطة لمحاربة عمالة الأطفال عام 2015، وتقول بيانات وزارة التهذيب الوطني، إن 27 في المائة من الأطفال بين سن 6 و15 لا يذهبون إلى المدارس، ويذهب أغلب هؤلاء إلى سوق العمل.
"عربية بنت أهنا" هي ناشطة فى المجتمع المدني، تصف الظاهرة بـ"مشينة"، وترجع سبب انتشارها بهذا الحجم إلى "الفقر".
وتضيف بنت أهنا، لـ"العربي الجديد": "أولياء الأمور يقومون بتشغيل أطفالهم بسبب الفقر، وبالتالي يترك الأطفال مقاعد الدراسة ويسلبون حياة الطفولة ويبقى مستقبلهم قاتماً".
وتعتبر الناشطة الاجتماعية أن "نسب الطلاق المرتفعة عامل إضافي يشجع على تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في موريتانيا، في مطلع العام الدراسي الماضي، قامت صديقة بالتكفل بتعليم طفل أسرته فقيرة بعد أن وجدته قد بلغ 10 أعوام ولا يعرف القراءة أو الكتابة ويعمل على عربة لجمع نفايات الحي، بعد يومين من تمدرسه وجدته على عربته من جديد، وعندما توجهت لوالدته بالسؤال؛ أجابت أن التعليم هو آخر همهم فى ظل حالة الفقر التي يعيشونها".