تعدّ البطالة من الأسباب الرئيسية التي تدفع التونسيين إلى التظاهر، مطالبين المعنيين بتأمين فرص عمل لهم، أو تنفيذ العقود الموقّعة أصلاً. ويختار البعض السير مسافات طويلة لإطلاق صرخاتهم في وجه المسؤولين
من جرجيس في أقصى الجنوب التونسي في محافظة مدنين إلى العاصمة تونس، اجتاز الشاب طارق كريم أكثر من 500 كيلومتر سيراً على الأقدام، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك في مبادرة تطوعية لتفسير مشروع الشباب الذي طرحه الرئيس قيس سعيد خلال حملته الانتخابية. وأثار قرار الشاب استغراب الكثير من المتابعين لرحلته، متسائلين عن إمكانية صموده لأكثر من أسبوعين.
اختيارُ الشباب السير على الأقدام مسافات طويلة للتعبير عن رأي أو الاحتجاج أو إطلاق مبادرة، ليس جديداً في تونس، فقد اختار بعض الشباب، منذ عام 2011، السير على الأقدام كيلومترات عدة، للتعبير عن موقف أو الاحتجاج أو المطالبة بالعمل.
في يناير/كانون الثاني عام 2017، نظمت مسيرة سلمية شارك فيها 25 شاباً من منطقة المكناسي في محافظة سيدي بوزيد وصولاً إلى العاصمة التي تبعد نحو 300 كيلومتر عن مكان انطلاقهم، للمطالبة بفتح منجم الفوسفات وتفعيل عقود المنتدبين، وتحديد تاريخ فعلي لمباشرتهم العمل في المنجم. وكان نحو 170 شاباً وشابة قد نجحوا في مناظرة وطنية منذ عام 2016، وأبرموا عقود عمل في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، لكنّهم لم يباشروا العمل في المنجم.
وقبل ذلك، نظم بولبابة بن بلقاسم ومنير الميساوي، من منطقة العوابد في محافظة صفاقس، قافلة للسلام وتحدّي الإرهاب، وقطعا أكثر من 1100 كيلومتر سيراً على الأقدام، مروراً بـ 13 محافظة في اتجاه شارع محمد الخامس في تونس العاصمة، مكان العملية الإرهابية التي استهدفت الأمن الرئاسي. ووصل الشابان، في 10 يناير/كانون الثاني 2016، إلى المكان المحدد، حيث وجدا المئات في انتظارهما، إضافة إلى بعض المسؤولين الذين عمدوا إلى تكريمهما، بما في ذلك وزارة الشباب والرياضة.
وفي فبراير/شباط عام 2016، انطلقت مجموعة من الشباب من محافظة قفصة في الجنوب التونسي، التي تبعد عن العاصمة نحو 350 كيلومتراً، في مسيرة سيراً على الأقدام. لكن بعد وصول الشباب إلى العاصمة، مُنعوا من قبل رجال الأمن من الوصول إلى مقر رئاسة الحكومة. كما نظم عدد من أبناء محافظة جندوبة مسيرات ضمّت إحداها 42 فرداً، منهم 12 امرأة و5 أطفال. ويقول منسق المسيرة سامي العش، لـ "العربي الجديد": "تمّت عرقلة المسيرة من قبل رجال الشرطة قبل وصولها إلى العاصمة. كما تمّ إيقاف الجميع في مركز الشرطة"، مضيفاً أنّ الشباب المشاركين في المسيرة اختاروا السير على الأقدام كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج.
وفي الفترة نفسها، شارك 18 شاباً من حاملي الشهادات العليا في مسيرة من محافظة القيروان نحو العاصمة. ويقول محمد أسامة، منسق الاعتصام، إنّهم أوقفوا خلال الأيام الأربعة الأولى من قبل رجال الأمن، قبل الوصول إلى وزارة التكوين المهني والتشغيل، مطالبين بالعمل ومقابلة الوزير. كما سار نحو 80 شخصاً من خريجي التعليم العالي نحو الجزائر، ووصلوا إلى المعبر الحدودي بوشبكة في محافظة القصرين، احتجاجاً على البطالة وغياب المشاريع التنموية.
غالبية تلك التحركات خلال السنوات الماضية انطلقت من مناطق عدة في الداخل، سواء من الشمال أو الجنوب، وكانت معظمها عفوية. وكانت الوجهة دائماً العاصمة، حيث المراكز السيادية والوزارات، للاحتجاج على البطالة أو المطالبة بالعمل أو تفعيل إحدى الاتفاقيات التشغيلية المؤجلة.
لم يتخل الشباب عن السير كيلومترات عدة للاحتجاج، وإن كانت لم تحل مشاكل المواطنين. واختار 11 شاباً السير على الأقدام من محافظة قفصة في اتجاه العاصمة منذ بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، للمطالبة بالعمل بعد فشل التواصل مع السلطات المحلية في منطقتهم.
ويشير محمّد علي، أحد الشباب المشاركين في المسيرة، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ بعض المشاركين من خريجي التعليم العالي، وآخرين من أصحاب شهادات التكوين، ولم يستطيعوا الحصول على وظيفة أو المشاركة في أي مناظرة. كما لم يستطيعوا التواصل مع أي من المسؤولين المحليين في الجهة، مضيفاً أنّهم اختاروا السير على الأقدام كوسيلة للاحتجاج والتعبير عن سياسة المماطلة التي تنتهجها السلطة.
غالبية أولئك الشباب ممن يتوجهون إلى وزارة التكوين المهني والتشغيل للمطالبة بالعمل، أو ممن يتوجهون إلى إحدى الوزارات للمطالبة بتفعيل اتفاقيةٍ ما تتعلّق بالعمل في قطاع معيّن، غالباً ما يتلقّون الوعود فقط ليعودوا أدراجهم من دون حلّ لمشاكلهم. مع ذلك، مازال البعض يعتمد الطريقة نفسها في الاحتجاج سيراً من مدينته أو قريته نحو العاصمة.
وقد وصل مجموعة الشباب إلى قصر الجمهورية، يوم الخميس الماضي، واستقبلهم الرئيس قيس سعيد، للإصغاء إلى مشاغلهم والاطلاع على بعض مقترحاتهم حول خلق فرص عمل لشباب الجهة، خصوصاً في شركة "فوسفات قفصة". وقد أكد سعيد وفق بلاغ رئاسة الجمهورية على ضرورة ضمان الحقوق المشروعة لجميع المواطنين وفي مقدمتهم الشباب. واعتبر أنّ الحق في العمل وفي التأمين ضدّ المرض وفي المسكن اللائق هو من أوائل الحقوق الإنسانية. كذلك، أكد على ضرورة استئناف العمل في قطاع الفوسفات وفتح السكة الحديدية مجدداً، وأنّ الشباب في مختلف ولايات الجمهورية هم في صدارة الأولويات.
وبحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد بلغ عدد التحركات الاحتجاجية العام الحالي نحو 2044 تحركاً احتجاجياً، منها 1986 احتجاجاً جماعياً و58 تحركاً فردياً. ويقول رئيس المنتدى مسعود الرمضاني، لـ "العربي الجديد"، إنّ التحركات الاحتجاجية في تونس اتخذت أشكالاً مختلفة، من التظاهر في الشوارع إلى خياطة الفم أو السير على الأقدام مسافات طويلة، أو حتى الإقدام على الانتحار. وشملت الاحتجاجات مختلف المناطق رفضاً للبطالة وغياب المشاريع التنموية في الجهات، في وقت أحيل عشرات الشباب إلى المحاكمات بسبب تحركاتهم الاحتجاجية.