وتذكر صور الشاب صلاح عبد السلام، المتورّط بقيادة سيارة إحدى المجموعات الثلاث التي ارتكبت الهجمات الدامية في باريس، ببطل رواية "البؤساء" للكاتب فكتور هيغو، التي انتقد فيها الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون عام 1815 والثورة ضد الملك عام 1832، وكتب في مقدّمتها: "إنّ العادات والقوانين في فرنسا تخلق أوضاعاً اجتماعية أشبه بالجحيم البشري، ولطالما يوجد فقر ولامبالاة، فكتب كهذا الكتاب ستكون دائماً ضرورية".
وتركّز أحداث الرواية على السجين السابق جان فالجان، الذي ينبذه المجتمع وينظر إليه بعين الشك والريبة والخوف، بينما يظهر الكاتب معاناة السجين ويدفع القارئ للتعاطف معه.
قد يكون الاختلاف شاسعا، بين بطل الرواية جان فالجان وعبد السلام، فالأوّل أبدع هيغو في تصوير إنسانيته وإجحاف المجتمع بحقّه، في وقت كانت صوره تملأ الشوارع والشرطة الفرنسية تلاحقه في كلّ مكان، حتى نفر منه العامّة وتعاملوا معه كمجرم.
أمّا عبد السلام، الملاحق حاليا، فلا يعرف عنه العالم سوى صورة ذلك الوجه الذي انتشر بين ليلة وضحاها على مختلف وسائل الإعلام، ومن الطبيعي ألاّ يرى فيه سوى ملامح المجرم. ذلك أنّه ليس بطل رواية فرنسية تسرد لنا الأحداث بسلاسة، فتحوّل المجرم إلى فاعل خير، والشرطي إلى مريض نفسي مقيّد بالقانون، بل لأنّه ببساطة مجرم على أرض الواقع، مهما تعدّدت ذرائعه وإن فرض عليه الأمر أو غرّر به أو تورّط بقضيّة عجز عن التملّص منها لاحقاً.
واللافت أنّ محقّقي الشرطة الفرنسية، يعتقدون أنّ عبد السلام، قد يكون هارباً من تنظيم الدولة الإسلامية، حيث كتب موقع بلجيكي أمس أنّ عبد السلام، الناجي الوحيد المعروف لدى السلطات الفرنسية، ممّن شاركوا في اعتداءات باريس، تحدّث إلى صديق له في بروكسل يوم الثلاثاء، وعبّر عن ندمه على المشاركة في الهجمات، كما قال إنّه لم يجرؤ على تسليم نفسه، لأن أخاه حذّره من احتمال انتقام "داعش" من عائلته.
وفي السياق عينه، علم المحقّقون أنّ عبد السلام، تجوّل في شوارع باريس لمدّة سبع ساعات ليلة الجمعة، وفي الساعات المبكرة من صباح السبت، قبل أن يغادرها إلى بلجيكا. وتقول الشرطة إنّه أجرى مكالمة هاتفية عند الساعة العاشرة والنصف من مساء الجمعة، حين كانت العصابة لا تزال تقتل الأبرياء في مسرح الباتالكان، وطلب من أصدقائه مساعدته للوصول إلى بروكسل.
من جهة أخرى، قالت مصادر من الشرطة الفرنسية، إنّ تحرّكات عبد السلام لا تشير إلى أي مخطّط مسبق للفرار، لكن على ما يبدو أنّه أصيب بالهلع وجبن عن الانتحار أو استاء ممّا وصلت إليه الأمور، أو أنّ الحزام الناسف الخاص به تعطّل عن العمل.
ووفق موقع بلجيكي، فإنّ عبد السلام كان في مولينبيك سان جان، في بلجيكا مساء الثلاثاء، وطلب ملاقاة صديق له لإيصال رسالة إلى أهله، كما حذّره من الانجرار إلى الإسلام المتطرّف.
يبقى أنّ التشابه بين عبد السلام وجان فالجان، هو تلك الصور التي ينشرها الإعلام، فتحوّل إنسانا مغمورا إلى مجرم خطير.
اقرأ أيضا:مساجد فرنسا توحد خطبة الجمعة لإدانة الإرهاب