تناقل عدد كبير من العراقيين عبر مواقع التواصل، مشاهد تُظهر رجلين يعذبان طفلين بشكل بشع. الرجلان، وهما أخوان، نالا استهجان العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين طالبوا بإلحاق أقصى العقوبات بحقهما، لا سيما بعد أن اتّضح أن الطفلة التي ظهرت في الفيديو يتيمة الأب، وأن من يمارس تعذيبها بوحشية، هما عماها.
وألقت قوات الأمن القبض على الشقيقين، لكن الفيديو مازال متداولا بين العراقيين، كون القصة تشير إلى ظواهر خطيرة بدأت تطفو على السطح، سببها الأساسي تعاطي المخدرات والفقر.
وقال أحمد الشمري، وهو مقرّب من العائلة، لـ"العربي الجديد"، إن الطفلة التي ظهرت في الفيديو، توفي والدها عام 2007 وهي في عمر السنة، وأضاف أن "عمي الطفلة هما من ظهرا في الفيديو، أحدهما كان يعلقها من قدميها بحبل في سقف الغرفة، والثاني يقوم بعضّها بشكل جنوني".
وأوضح الشمري، أن الطفلة "ليست فقط يتيمة الأب، بل إن والدتها لا يُعرف لها مصير، وهناك من يقول إنها متوفية، ما يعني أن الطفلة بلا أب ولا أم"، وتابع "المعروف عن عميها أنهما يتعاطيان الكحول والحبوب المخدرة، ربما التعذيب الوحشي الذي كُشف بالصدفة خير دليل على ذلك".
بدورها، سلطت الصحافة العراقية الضوء على القصة، بعد أن نالت اهتماماً شعبياً، وظهرت تصريحات لزوجة عم الطفلة لوسائل الإعلام، تؤكد أن زوجها وشقيقه يمارسان، على الدوام، تعذيب طفليها واليتيمة وشقيقها.
وافتضح أمر الشقيقين بعد أن طلبا من أحد الأطفال تصوير عملية التعذيب، وعلى إثر هذا ألقي القبض عليهما، بعد أن قدمت زوجة أحدهما برفقة شقيقها مقطع الفيديو إلى الشرطة.
والتقى وزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، الإثنين 24 إبريل/نيسان الجاري، بالطفلة المعنَّفة بنين وشقيقها، وأشار إلى أنها تعرضت إلى "تعذيب وحشي"، متعهدا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتهمين.
الأدلة الحالية بحق الشقيقين تؤدي إلى سجنهما بما لا يقل عن سنة، بحسب المحامي أحمد شهاب، الذي أكد، لـ"العربي الجديد"، أن المحاكم تواجه باستمرار مثل هذه القضايا، لكنها تنتهي، بعد تراضي الأطراف وتنازل صاحب الحق، إلى الإفراج عن الجناة. لكن بالنسبة لهذه القضية، ستكون الإجراءات مختلفة؛ وذلك لوجود أدلة تثبت القيام بجرم، بحسب قوله، مشيراً إلى أن "الحق العام سيقضي بما لا يقل عن السجن عاماً كاملاً".
وقالت وزارة الداخلية، في بيان تلقّى مراسل "العربي الجديد" نسخة منه، إن الوزير قاسم الأعرجي، خلال لقائه الطفلة بنين، أكد أنها "تعرضت لتعذيب وحشي من قبل أقاربها وبطريقة لا تمت للإنسانية وقيم احترام حقوق الإنسان والطفل بصلة".
وأضافت الوزارة، في بيانها، أن "الوزير وعد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق هؤلاء وكل الذين على شاكلتهم، وفقاً للقوانين النافذة". ووجّه وزير الداخلية الدوائر ذات الاختصاص في الوزارة بـ"ضرورة رصد الحالات الشاذة، من أجل اتخاذ اللازم بشأنها".
وكانت قوة أمنية من شرطة النجدة اعتقلت، الخميس 20 إبريل/نيسان الجاري، المتهمين في قضية تعذيب الأطفال، في منطقة السيدية جنوب بغداد، وذلك بعد انتشار قصتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وردود الفعل الغاضبة.
قضايا التعنيف التي يتعرض لها الأطفال في العراق آخذة في الانتشار، وفقاً لما أكده مختصون. ويقف الفقر وتعاطي الكحول والمخدرات بالدرجة الأساس، خلف هذه الظاهرة.
وفي السياق، قال الناشط في مجال حقوق المرأة والطفل، المحامي سعد الربيعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما ترصده المنظمات المدنية المهتمة بحقوق الأسرة والطفل ينذر بكارثة مجتمعية، إن لم يتم تداركها".
وأضاف "يتعرض الأطفال لعنف يصل إلى مستوى خطير، إنه تعذيب إن صح القول. ما يؤسف له أن من يمارس هذا التعذيب هم أولياء الأمور. الأمهات أحياناً يقسين على أولادهن؛ والسبب هو العوز والحاجة، لكن لا تصل تلك العقوبات من قبل الأم إلى مرحلة التعذيب، كما هو الحال مع ما يمارسه الكثير من الرجال بحق أبنائهم".
وتابع الربيعي: "أغلب الذين يعذبون أولادهم وبقسوة يكونون في حالة من فقدان الوعي؛ مخمورين أو متعاطين لمواد مخدرة، وهذا ما يتضح من خلال القضايا التي نتابعها".
أما الباحثة الاجتماعية ندى العبد الله، فتؤكد أن الفقر هو العامل الأساس لحصول مشاكل مجتمعية تصل إلى الجريمة، فهو الذي يدفع الآباء إلى تشغيل أبنائهم في مواقع موبوءة، كمناطق تجمع القمامة، المعروفة بأنها ناقلة للأمراض، وكل ذلك سعياً لكسب المال.
وتصف الباحثة هذه الأعمال بـ"جرائم خطيرة؛ لأنها تحرم الأطفال من فرصة التعلم، وتعرضهم للإصابة بأمراض فتاكة، لما تحتويه مكبات النفايات من أوبئة ومخلفات صحية وملوثات، تساهم في انحراف الأطفال، لاختلاطهم بمنحرفين ومجرمين، ما يصنع منهم أشخاصاً مضرين بالمجتمع".
وتتابع: "ليست فقط مكبات النفايات. الأطفال يعملون في الشوارع والأسواق والمعامل والورش وفي كل مكان. الأمر أكبر من السكوت عنه، وهذا ما نفعله في منظمات المجتمع المدني، نحن نجتهد في أن ننقذ هؤلاء الأطفال". وتشير إلى أن "بعض الآباء لا يكتفون بحرمان أبنائهم من مسايرة جيلهم والحصول على فرصة أفضل للتعلم، بل يقسون عليهم بالضرب". لافتة النظر إلى أن "أغلب من يميلون إلى ضرب أبنائهم وتعنيفهم يتعاطون العقاقير المخدرة، ويكونون في حالة من فقدان الوعي".