تدخل القوانين الدنماركية الجديدة حول منح الجنسية للمقيمين في البلاد حيّز التطبيق في الخامس عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
القوانين الجديدة التي اتفق عليها أقطاب اليمين الحاكم والمعارضة في يسار الوسط، يوم أمس الاثنين، بعد أشهر من المفاوضات وتعليق منح الجنسيات، يصفها حقوقيون دنماركيون في حديثهم لـ"العربي الجديد" بالقول: "ليس فقط أن بلادنا أرسلت رسائل للاجئين والمهاجرين بأنهم غير مرغوب فيهم هنا، بل الآن هم يقولون حتى للمقيمين منذ سنوات: انسوا حمل الجنسية الدنماركية مستقبلًا... أو على الأقل لبوا شروطنا التعجيزية".
ووفق القوانين الجديدة يتطلب الحصول على الجنسية الدنماركية، أن يكون المقيم حاصلا على شهادة لغة في المستوى الثالث، وهو مستوى أعلى من الصف التاسع، في البلاد يصل إلى مستوى الثانوية، أي إن قلة قليلة سيكون بإمكانها حمل الجنسية مستقبلاً. وهذه واحدة من الانتقادات الكبيرة للتشديدات في القانون الجديد الذي كان في السابق يقبل بمستوى صف سابع.
وتعتبر اللغة الدنماركية وفق علماء اللسان من اللغات الصعبة جداً، وليس من السهل على غير الدنماركيين اتقانها بمثل ذلك المستوى المطلوب، وهو ما يذهب إليه مدير مدارس اللغة في البلاد، بول نيرغوورد، في تعقيبه على القوانين: "سيكون صعبا على بعض المجموعات من الأجانب الوصول إلى ذلك المستوى لأنهم بالأساس لم يكونوا في المدارس ولم يتحصلوا على تعليم في بلادهم".
اقرأ أيضاً: في مخيم الزعتري فنانون سوريون يحلمون بالذهاب إلى أوروبا
وعدا عن شرط اللغة فإنه سيكون على المتقدم لحمل الجنسية الدخول في اختبار إجابة على 22 سؤالا إجابة صحيحة من أصل 30 تتعلق بالتاريخ والثقافة والسياسة والمجتمع الدنماركي عموماً، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الديمقراطية وحرية التعبير.
دفعت وزيرة الأجانب والدمج، انغا ستويبرغ، صاحبة المواقف المتشددة من الهجرة واللجوء، باتجاه تبنِ برلماني للتشديدات التي ينتقدها معسكر اليسار المعارض باعتبارها "الأكثر صرامة في أوروبا وتخرق حقوق البشر في اكتساب الجنسية بعد سنوات من الإقامة". ويستند حزب الشعب اليميني مع يمين الوسط الحاكم في تلك التشديدات على كثير من الظن بأن "هؤلاء يهاجرون إلينا ظناً منهم بأنهم سيحملون الجنسية بسهولة"، وفق ما يردده اليمين المتشدد. بينما تأمل كتل اليمين وشخصياتها بأن "تسهم تلك التشديدات في منع تدفق هؤلاء المهاجرين واللاجئين إلى البلاد".
المدافعون عن التشديدات القانونية الجديدة يدفعون بمبررات تأييدهم بالقول: "كيف يمكن منح جنسية لأشخاص لا يجيدون لغة البلاد التي يقيمون فيها ويحملون جنسيتها، وكيف سيكون المقيم دنماركياً إذا كان يعارض ثقافة البلاد وقيمها الديمقراطية ولا يعرف عن تاريخها شيئاً بل يعيش عزلة تامة ويمنح الجنسية أوتوماتيكياً بعد سنوات معينة من إقامته. المسألة تتعلق بدمج صحيح لمن يريد أن يكون مواطناً كامل المواطنة في بلادنا".
اقرأ أيضاً: قوانين ألمانية جديدة لدمج اللاجئين و"ضبطهم"
المنتقدون للتشديدات يسوقون رأيهم الناقد لمسألة شطب الاستثناءات التي شملت في السابق من يعاني نفسياً وخصوصاً من أعراض ما بعد الصدمة، وفي القانون الجديد سيصبح من الضروري التزود بتقارير لمختصين بعد المرور بعملية معقدة من العلاجات والتقييمات. إن أية مخالفة جنائية في السابق كانت يمكن أن تؤجل طلب الجنسية بين 3 سنوات و20 سنة، أما الآن وبدءاً من 15 أكتوبر/تشرين الأول، يرتفع زمن التأجيل بنسبة 50 في المئة عن السابق. ويشمل ذلك حتى مخالفة سير بقيمة تزيد على 500 دولار.
وفي بعض التفاصيل التي اطلع "العربي الجديد"، عليها من البرلمان الدنماركي يصبح على المقيم أن يثبت أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة "كان يعتمد اقتصادياً على نفسه، بمعنى أنه لم يتلق خلال 4 أعوام ونصف العام أية مساعدات مالية من الدولة باستثناء الطلاب الذين يدرسون في الجامعات ويتلقون المنحة الشهرية". وبهذا يصبح على المهاجر خلال السنوات التسع الأخيرة أن يكون قد عمل 8 سنوات ونصف السنة، وفي حالات كثيرة سيكون "من المستحيل أن يكون حتى المواطن الدنماركي قد عمل ثمانية أعوام ونصف خلال تسع سنوات بدون انقطاع". وفق انتقادات أحزاب يسارية معارضة. أحزاب وصحافة اليمين تنتقد دائماً وبشدة قدوم لاجئين ومهاجرين، "ليعيشوا على المساعدات بدون أن ينخرطوا في سوق العمل" ويبدو بأن هذا الشرط يريد من المهاجرين أن يكونوا "أكثر حيوية وانخراطاً في تأمين أوضاعهم الاقتصادية بدل تلقي المساعدات"، وهو ما تعرضه وزيرة الدمج انغا ستويبرغ، ومعها حزب الشعب المتشدد.
أمام البرلمان الدنماركي ولجانه القانونية الآن 2500 طلب جنسية مقدمة في العامين السابقين، وجرى توقيف البت فيها منذ الانتخابات صيف هذا العام وتتجه الحكومة اليمينية لإجراء تفاوض حولها بحيث لا تشملها القوانين الجديدة بينما بقية الطلبات المقدمة منذ الصيف ومن الآن وصاعداً ستركن إلى حين تلبية الشروط الجديدة.
ينتقد زعيم حزب الراديكال من يسار الوسط مورتن اوسترغوورد، القانون الجديد باعتباره "سيعزل مواطنين كثر عن العملية الديمقراطية وجعلهم وكأنهم يعيشون ديمقراطية القرى الروسية". ومن جهتها انتقدت يوهنا شميت، من حزب اللائحة الموحدة اليساري في البرلمان هذا الاتفاق الجديد قائلة: "لقد اتفق اليمين والديمقراطيون على تشديد قوانين جنسية مشددة أساساً... إنه لأمر محزن اليوم".