مع انتشار ظاهرة "البويات" أكثر فأكثر، تسعى وزارة التعليم السعودية إلى سنّ قوانين وأنظمة جديدة، في محاولة منها للحدّ من ظاهرة لجوء الفتيات إلى التشبّة بالفتيان والظهور بمظهرهم من خلال اللباس أو قصات الشعر القصيرة جداً والسلوك.
يأتي تحرّك وزارة التعليم بعدما حذّرت وثيقة حكومية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية السعودية أخيراً، من انتشار "ظاهرتَي الأيمو والبويات" في أوساط تلميذات التعليم العام والطالبات الجامعيات في البلاد. وقد طالبت نحو عشرين جهة حكومية ذات علاقة، بمتابعة الظاهرتين وتطبيق نظام رادع بحقّ المخالفات.
قبل نحو خمس سنوات، حاولت الوزارة معالجة ذلك من خلال إصدار أمر بمنع الفتيات اللواتي يتشبّهن في شكلهنّ بالفتيان، من دخول المدارس والجامعات، بالإضافة إلى فرض عقوبات تأديبية قاسية تصل إلى حدّ الفصل من التعليم في حال "عدم تعديل السلوك". لكنّ ذلك لم يكن كافياً لحلّ "المشكلة"، وظلت الظاهرة تتنامى في حين سُجّلت محاولات فردية من قبل مدرّسات ومديرات في المدارس لمعالجة كلّ حالة على حدة.
تحت عنوان "معالجة بعض السلوكيات المنحرفة بفئة الشباب والبنات"، جاءت الدراسة الحكومية التي أكّدت انتشار "ظاهرتَي الأيمو والبويات"، مشددة على أن الأخيرة هي الأكثر تمدداً في أوساط التلميذات. وحذّرت من سرعة انتشارها في الأوساط التعليمية بمختلف مستوياتها، وأكثر في التعليم العالي، أي بين طالبات الجامعات والكليات والمعاهد.
عرّفت الدراسة "البويات" بأنهنّ "البنات المسترجلات اللواتي يقمن بقصّ شعورهنّ قصات قصيرة مثل الأولاد أو الرجال، وبعضهنّ يمارس ذلك السلوك بشكل مستمر من دون خوف أمام الطالبات أو أعضاء هيئة التدريس ويمارسن أعمالاً متنافية مع الآداب الإسلامية والأخلاقية".
يقول أستاذ القانون في جامعة الملك سعود، الدكتور سعود الدندني، إنّ "ظاهرة الفتيات المسترجلات باتت تنتشر بطريقة لافتة في الآونة الأخيرة، وتتنامى". ويؤكد لـ"العربي الجديد"، "عدم إمكانية مناقشة دوافع هذه الظاهرة وأسبابها من دون النظر إلى وقائع اجتماعية بالدرجة الأساسية. هي قد تكون نوعاً من تمرّد تأتي به الفتاة السعودية على واقعها، إذ ترى أنّ للرجل كلّ الحقوق التي تُحرم المرأة منها". وكأمثلة على ذلك، يذكر "حرية التنقل والحركة وقيادة السيارة والسفر والخروج مع الأصدقاء. هي ممنوعة من كلّ هذه الأمور، ومجبرة على خدمة الرجل في المنزل. من هنا، تجد في هذا الشكل الجديد نوعاً من التمرّد على مجتمعها المنغلق، أو أنّها تريد أن تشعر بالحرية من خلال التشبّه بالرجل".
ويشدّد الدندني على أنّ "هذا المظهر الذي بدأ يطغى على المراهقات، يمكن تصنيفه نوعاً من الحرية الشخصية التي تريد الفتاة أن تتمتع بها. من خلال هذا المظهر، تحاول التخلّص من هيئة الفتاة الضعيفة والمنكسرة، لتشعر بالهيبة والثقة وقوة الشخصية".
ولا يستبعد الدندني أن يكون "من بين أسباب هذه الظاهرة، وجود خلل في التربية والتنشئة في الأسرة، كالتدليل الزائد أو القسوة الزائدة". يضيف: "في بعض الأحيان، يكون الأب راغباً في مولود ذكر، لكنّه يُفاجأ بأنثى. يرفض الاقتناع بواقعه، ويبدأ في معاملتها على أنّها صبيّ. بالتالي تتشكّل لدى ابنته شخصية غير متوازنة، والحصيلة فتاة ذات هويّة ضائعة".
من جهتها، تؤكّد المدرّسة نورة المزيد أنّ "ثمّة تنامياً كبيراً لهذه الظاهرة، خصوصاً في المراحل المتقدمة من الدراسة العامة. وهي أمور كانت وزارة التعليم تحاول تجاهلها من خلال التركيز على تعميمات ضعيفة لا تضع حداً لها". تضيف لـ"العربي الجديد": "لا أبالغ إذا قلت إنّ في كلّ فصل دراسي في المرحلتَين المتوسطة والثانوية، فتاة أو اثنتين تظهران بمظهر الذكور. بهدف معالجة هذه الظاهرة، لا بدّ من اعتراف رسمي بها، وتضافر جهود كل الأطراف لإجراء الدراسات وتحليلها تحليلاً علمياً ومعرفة مكامن الخلل لتتسنى معالجته". وتشدّد المزيد: "لا بدّ من أن يبذل المختصون جهداً أكبر، خصوصاً النساء منهم. هؤلاء أكثر قدرة على معرفة شعور الفتاة، والبحث عن أسبابه ودوافعه الحقيقية، لمعالجته معالجة صحيحة. هذا ما نحتاجه".