في سرية تامة تواصل الحكومة المصرية مخططاتها، لإزالة جزيرة الوراق الواقعة داخل نهر النيل "شمال محافظة الجيزة" التي تعد من أبرز مناطق المحافظة، وتقع على مساحة 1470 فداناً ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة.
تتميز الجزيرة بموقع فريد داخل مياه النيل، لكن كما يقال "عليها العين" منذ سنوات من قبل الحكومة، ويحاول سكانها إثبات أحقيتهم وملكيتهم لها، خصوصاً بعدما عاد الحديث عن نية الحكومة الاستيلاء عليها، بعد فشلها في إزالتها في يوليو/ تموز من العام الماضي 2017، بعد محاولة إخلاء عدد من المباني في جزيرة الوراق بالقوة، مما أدى إلى اشتباكات بين الأمن والأهالي نتج عنها وقوع قتيل، فخشيت الأجهزة الأمنية من تطور الأمر إلى تظاهرات وقررت الانسحاب.
علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أنّ إجراءات تقوم بها الحكومة المصرية حالياً، بإيعاز من الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة إخلاء جزيرة الوراق من سكانها. شجّع الحكومة على ذلك نجاحها في إخلاء منطقة سكان "مثلث ماسبيرو" بكورنيش النيل خلف مبنى وزارة الخارجية، الذي انتهت الحكومة بالفعل من إزالته بنهاية شهر مايو/ أيار الماضي. وأكدت المصادر أنّ "جزيرة الوراق" داخل نهر النيل، و"مثلث ماسبيرو" مطمع للحكومة المصرية ورجال الأعمال داخل مصر وخارجها، وأيضاً لعدد من الشركات العربية خصوصاً في السعودية والإمارات.
أضافت المصادر أنّ الحكومة تخطط بالفعل لإزالة "جزيرة الوراق" ولو وصل الأمر إلى استخدام القوة بخلاف المرة الأولى التي فشلت فيها الداخلية بسبب تكتل الأهالي، وأشارت المصادر إلى أنّ الحكومة تستدرج حالياً عدداً من رموز أهالي سكان جزيرة الوراق لترضيتهم مادياً، بخلاف باقي السكان من أجل إحداث خلخلة في الترابط السكاني، وعدم التسبب في وقوع ضحايا أثناء عملية الاقتحام، وترضية السكان مادياً على غرار ما حدث في مثلث ماسبيرو.
تلجأ الحكومة المصرية حالياً إلى عدد من الطرق الملتوية، لإجبار الأهالي على ترك المنطقة، منها قطع المياه والكهرباء لساعات طويلة يومياً، بحجة إحداث تعديلات في الشبكات، كما لا يتوافر صرف صحي، وتمتلئ المنطقة بتلال من القمامة المنتشرة أمام المنازل وعلى ضفاف النيل، نظراً لعدم توافر سيارات المدينة التي كانت تقوم من قبل بجمع القمامة، فأصبح النيل منفذاً للتخلص من القمامة، مما أدى إلى انتشار الحشرات الضارة والفئران. وبسبب تجاهل الحكومة تحوّلت جزيرة الوراق من جنة زراعية وسط النيل إلى بؤرة تلوث بيئي.
ظلّ الآلاف من سكان جزيرة الوراق البسطاء طوال حياتهم يحلمون بحياة مستقرة، فكانوا يجمعون الأوراق والمستندات التي تثبت ملكيتهم سواء لمساكنهم أو الأراضي الزراعية التي يمتلكونها، والأحكام القضائية السابقة التي حصلوا من خلالها على أحقيتهم بتلك الأرض، بهدف تقديمها إلى عدد من المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج ودوائر قضائية. واليوم، يحاولون رفع دعاوى أمام المحاكم، إلاّ أنهم يدركون جيداً أنّ أيامهم في المنطقة باتت معدودة، وأنّ مستقبل أبنائهم أصبح مهدداً، وأنّ الدولة تتعامل مع الجزيرة على أنّها ملكية لها، بالرغم من أنّ ما تملكه الدولة لا يتجاوز 60 فداناً، منها 30 فداناً تابعة لوزارة الأوقاف جرى تأجيرها للفلاحين.
يرى مراقبون مصريون أنّ رأس المال سواء العربي أو المصري أو الأجنبي، يحاول أن يلعب دوراً في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل مصر، والتي بدأت بمنطقة "تل العقارب" بالسيدة زينب والتي تقام عليها أبراج سكنية فخمة حالياً، ثم منطقة "مثلث ماسبيرو" الواقع على كورنيش النيل، الذي احتلته شركات إماراتية لإقامة عدد من الفنادق الكبرى، وحالياً التجهيز للاستيلاء على منطقة "جزيرة الوراق" وعدد من الجزر النيلية الأخرى. يشير المراقبون إلى أنّ أراضي مصر تباع حالياً تحت شعار "زيادة الاستثمارات". ويتوقع هؤلاء أن تحدث خلال الفترة المقبلة صدامات شعبية كبيرة مع الحكومة، لأنّ الجزيرة تعتبر منطقة زراعية وسكنية في الوقت نفسه، وتضم عدداً كبيراً من الأهالي، كما سيتضامن معهم أقاربهم من خارج الجزيرة، بالإضافة إلى من يرفضون ظلم الحكومة للأهالي.
تسيطر حالة من الخوف الشديد على الأهالي، من الإجراءات الحكومية الجديدة، بعد وصول معلومات تؤكد مضيّ الحكومة في إزالة منطقتهم "جزيرة الوراق" التي توارثوها أباً عن جد، وهو ما يؤكده فوزي محمد (تاجر) مشيراً إلى أنّهم لن يتركوا مساكنهم لقاء أيّ تعويضات تقرّها الدولة. يتابع أنّه يتردد حالياً بين الأهالي أنّ التعويض هو 200 ألف جنيه للقيراط الذي تبلغ مساحته 175 متراً مربعاً، وهو مبلغ لا يكفي لشراء شقة مكونة من غرفتين وصالة في الوقت الحالي. يضيف فوزي: "عمري 65 عاماً، ولديّ عمارة من 6 أدوار، أولادي متزوجون فيها، وعشت حياتي كلّها في المنطقة، فماذا نفعل بعد ترك منزلنا، أين نذهب؟".
بدوره، يقول نوح معداوي أحد سكان المنطقة: "الأسعار في ارتفاع مستمر، وكلّ شيء بات صعباً، أين نذهب بأولادنا وحياتنا، وكلنا مزارعون ولدينا ثروات حيوانية وأراضٍ زراعية؟ ما تفعله الحكومة ظلم، فهي تريد تشريدنا من منازلنا ولدينا كثير من كبار السن والمرضى". يتساءل: "لصالح مَن يطرد 300 ألف مواطن من مساكنهم؟" مطالباً بتوافق الأهالي كما حدث في المرة الأولى والوقوف صفاً واحداً ضد الحكومة. كذلك، يقول علي محمد (مزارع) إنّ "الحكومة تريد تهديد بيوتنا وحياتنا، لكنّ ذلك لن يحصل إلاّ على جثثنا". يتابع: "جميع منازل الجزيرة يعود تاريخ بنائها إلى سنوات طويلة".
أما رمضان حماد (موظف) فيشير إلى أنّه لا يدري ما الذي تريده الحكومة بالضبط "هل تريد تطوير الجزيرة كما يقولون، أم تخطط للاستيلاء على أراضي الناس؟"، موضحاً أنّ المنازل المبنية حاصلة على موافقة المحليات بتوصيل جميع المرافق. يتساءل: "كيف صمتت الحكومة كلّ هذه السنوات لكي تطالب بالأرض الآن، بعد تحول الجزيرة إلى كتل سكنية؟ جميع الأهالي لديهم حجج ملكية لمنازلهم، فضلاً عن إقامتهم منذ سنوات طويلة بالمنطقة، وقرار الإزالة سيشرد مئات الأسر البسيطة".
بعد تيران وصنافير
يوضح ناشطون أنّ مخطط الحكومة بتدمير جزيرة الوراق غايته بيعها إلى شركات إماراتية وسعودية وأخرى مصرية بمليارات الجنيهات، وإقامة مؤسسات تجارية ومبانٍ سكنية فخمة وفنادق خمس نجوم وحدائق عامة على النيل، وسخرت المواقع من استمرار النظام ببيع الجزر المصرية، بعد تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بالرغم من الرفض الشعبي.