لا أعرف ماذا سيبقى منّا. هزمَنا فيروس كورونا، ولو أنّنا سنعلن النصر عليه بعد حين. حبَسَنا كورونا مع أفكارنا، تلك التي حاولنا كثيراً الهروب منها. فجأة، ومن دون سابق إنذار، باتت هذه الأفكار تشاركنا قهوة الصباح. تتناول الغداء إلى مائدتنا. تأبى إلا أن تنام في سريرنا، نحن الذين كنّا نختار النوم وسيلةً للهروب منها. متى ينتهي هذا الكابوس؟ متى نعود إلى الضجيج الذي يبعدنا عن أنفسنا؟ كيف بإمكاننا نحن الذين تأكلنا أفكارنا أن نهرب منها، ونحن أسرى جدرانٍ لا تعرف عن تلك الأفكار شيئاً؟
أجلس في منزلي وأفكّر بالانطوائيّين. هناك من يقول وحدهم الانطوائيّون لم يتأثّروا بجائحة كورونا. هم اعتادوا العيش مع أفكارهم. اختاروا العيش في عالمهم الخاص. هل تعلمون كم موجع أن يخترق أحدٌ هذا العالم الخاص؟ أن تكون انطوائياً وتصبح مجبراً على مشاركة عزلتكَ مع أفراد منزلكَ موجعٌ أيضاً. كورونا كسر الانطوائيّين.
حلّ علينا كورونا ضيفاً ثقيلاً. غيّر عاداتنا، وقلب المقاييس. لم يعد العالم الخارجيّ مكاناً للحياة. باتت الحياة في داخلنا فقط. والصراع مع أنفسنا فقط، وكأنّ عقارب الساعة توقفت فجأة. لكنّنا سنعود إلى روتين حياتنا. لا بدّ أن نعود يوماً. سنعود لنكره أياماً تمضي بسرعةٍ، حتى نكاد نعجز عن اللحاق بها. سنعود، وربمّا سنشتاق إلى سجن الأفكار هذا. لا أعلم. سنعود إلى صخب الأيام. سنعود إلى تحقيق الأحلام. سنعود إلى التفاؤل، لكن لا بأس إذا تشاءمنا الآن قليلاً. التفاؤل متعبٌ أحياناً. لا بأس إذا جرفتنا مشاعرنا أحياناً. ربما يكون فقدان السيطرة ممتعاً.
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالصور والفيديوهات. أناس يضحكون، ويتشاركون مواهبهم وصوراً من زمن ما قبل الانكسار. أليس ما نعيشه اليوم انكساراً؟ خضوعاً؟ خنوعاً؟ عجزاً؟ كيف سنخرج إلى العالم الحقيقي بعد هذه الأزمة؟ كيف سنقنع أنفسنا برسم ابتسامة مزيفة، وأجسادنا بالعودة إلى روتين لم تظنّ يوماً أنها ستشتاق إليه؟ كيف سيكون الحبّ بعد كورونا؟ كيف سنعود إلى بعضنا من دون خوف؟ كيف سيكون أوّل لقاء بعد الانكسار؟
أتابع الناس في عزلتهم من خلف شاشة صغيرة حبستنا في عالم افتراضي قبل زمن كورونا بأزمنة وأزمنة... هذا يُمارِس الطبخ، هوايته المفضّلة. تلك تميل على أنغام أغنيةٍ شرقيةٍ وتحصد "اللايكات". هناك من يعزف، من يغنّي، من يرقص، من يرسم. هناك من اختار الضحك وسيلةً للهروب. كثرٌ اختاروا الانضمام إلى حفلة الجنون عبر "تك توك". لا بأس. فالجنون موهبةٌ أيضاً. أمّا أنا فاشتقتُ إلى الهروب من نفسي. أوليس الهروب من النفس موهبةً؟