مع اقتراب شهر رمضان، تمتلئ شوارع القاهرة بالمتسولين، علماً أن العاصمة المصرية تعدّ الأكثر ازدحاماً بالمقارنة مع غيرها من المحافظات. وعادة ما يتوزع هؤلاء في وسائل النقل المختلفة التي تشهد ازدحاماً في مختلف أوقات النهار، أو عند إشارات المرور، أو خارج المساجد، على غرار مسجدي الحسين والسيدة زينب. وكثيراً ما يتعاطف الناس مع المتسولين، وخصوصاً في هذا الشهر.
في خمسينيات القرن الماضي، تحول التسوّل إلى حرفة. وفي السبعينيات، اتخذت الدولة مجموعة من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة، بعدما وصل عدد المتسولين إلى نحو تسعة آلاف، في حين يتجاوز عددهم اليوم الثلاثة ملايين. في المقابل، يقدّر البعض عددهم بأكثر من ذلك، علماً أنه لا توجد إحصائيات دقيقة. ويلاحظ زيادة أعداد المتسولين يوماً بعد يوم، بعدما بات التسول مهنة يلجأ إليها كثير من المواطنين، وخصوصاً أنها تعد فرصة جيدة لجني مزيد من الأموال خلال رمضان. في السياق، يقول عدد من علماء الدين وأساتذة الاجتماع إن التسول يزداد بشكل لافت خلال رمضان، في ظل غياب العقوبات الرادعة التي من شأنها القضاء عليها تماماً، علماً أنه لا ينبغي الربط بين الفقر والتسول.
تختلف أساليب التسول بين طلب المال بشكل مباشر وغيرها من وسائل الاستعطاف. في السابق، غالباً ما كان المتسوّل يعاني من إعاقة، ما يدفعه إلى النزول إلى الشارع وطلب المال. وفي أحيانٍ كثيرة، قد تجد أماً تحمل رضيعاَ على الطريق، تخدره لتتمكن من تهدئته طوال النهار، وتدعي أنه يعاني من مرض السرطان. اليوم كثرت القصص. يدعي البعض المرض، أو تقول المرأة إن زوجها متوفى وتحتاج إلى المال لإطعام أطفالها، فيما تقول أخرى إنها تريد تزويج ابنتها ولا تملك المال. أحياناً، يدعي رجل أن موعد القطار قد فاته ويحتاج إلى المال للدفع لسيارة الأجرة والعودة إلى قريته.
أيضاً، تدعي فتاة ترتدي ثياباً أنيقة، أن حقيبتها سرقت، ما يدفع كثيرين إلى إعطائها المال. فيما يلجأُ البعض إلى مسح زجاج السيارة أثناء التوقف عند إشارات المرور. وهناك من يكتفي باستجداء عطف المارة من خلال ارتداء ثياب رثة.
اقرأ أيضاً: عمالة الأطفال "مبرّرة" في مصر
وفي ميدان رمسيس في قلب العاصمة، يكثر المتسولون مستفيدين من ازدحامه. وتجدر الإشارة إلى أن الشرطة اعتقلت محمد إبراهيم، وبحوزته 350 ألف جنيه (نحو 46 ألف دولار) في المصرف، وقد اعترف بأنه يحضر يومياً من محافظة الشرقية (إحدى محافظات الوجه البحري)، ويبدّل ملابسه في أحد الأكشاك، ليرتدي ثياباً رثّة، ويبدأ عمله بالتسول مدعياً أنه مريض، وقد قست عليه الحياة، ويحتاج إلى المال. خلال التحقيقات، تبيّن أنه يجني 300 جنيه (40 دولاراً) في اليوم، ويستفيد من الازدحام خارج المساجد، وداخل محطة سكة حديد القاهرة. وأشار إلى أنه قادر على اصطياد أهل الخير، فأمرت النيابة بحبسه ومصادرة ماله.
في السياق، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس سامية الساعاتي، أن التسول تحوّل إلى مهنة لدى كثير من الناس، كونها تدر دخلاً معقولاً من دون عناء أو تعب. وتقول إنها "ظاهرة خطيرة تزداد في رمضان والصيف، وخصوصاً في الأماكن الراقية في القاهرة بسبب قدوم عدد كبير من العرب". وبالنسبة لهؤلاء، تعد هذه الأشهر جيدة للاستثمار وكسب مزيد من المال، إذ يتضاعف دخلهم وكسبهم غير المشروع. وتشير إلى أن الإجراءات الحكومية ما زالت عاجزة عن حل تلك المشكلة من جذورها، بدليل تزايدها.
ويقول أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر رفعت العوضي إن "الميزانية السرية لعالم التسول تزيد عن ستة مليارات جنيه شهرياً، وهي مرشحة للازدياد طالما أن العشوائيات تجبر الأطفال على النزول إلى الشارع". ويشير إلى "زيادة عدد المتسربين من المدارس، وارتفاع أعداد العاطلين من العمل، وزيادة التفكك الأسري، وتدنّي مستوى المعيشة، ما يضطر بعض أولياء الأمور إلى دفع أولادهم إلى التسول بسبب ظروفهم المعيشية". ويؤكد أن الحد من هذه الظاهرة يبدأ من الأسرة والمدرسة والمنطقة، موضحاً أن "نحو 40 في المائة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر". يضيف أن "هذه الظاهرة تستحق المعالجة السريعة والحاسمة من قبل الدولة، لأنها تحولت إلى كابوس يومي في شوارع المحافظات المصرية، وإن كانت تنتشر في القاهرة التي تعد الأكثر ازدحاماً". ويطالب بضرورة تفعيل القانون لمواجهة تلك الظاهرة الاجتماعية الخطيرة.
في السياق، يؤكد أحد علماء الأزهر الشيخ محمود عاشور أن "الإسلام حث على العمل، وضرورة أن يأكل المرء من عمله. يريد الإسلام أن يكون الناس أغنياء ولا يمدون يدهم للغير". يضيف أن "الإسلام دعا الأغنياء إلى مساعدة المحتاجين، موضحاً أنه "من الأفضل أن يدفع الشخص المال لمن يعرفه، وخصوصاً أن البعض يدعون الحاجة من دون أن يكون ذلك حقيقياً". ويرى أن بعض المتسولين "يتخذون من مظاهر التدين ستاراً لاستعطاف قلوب المارة، علماً أن كثيرين يستجيبون لهم".
اقرأ أيضاً: الألعاب قد تقتل أطفال مصر