أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، المسودة الأولية لموضوعات خطب الجمعة للسنوات الخمس المقبلة، من بينها موضوعات المناسبات الوطنية والدينية، وذلك ضمن الخطة الدعوية للوزارة التي تمت مناقشتها مع لجنة تجديد الخطاب الديني بالوزارة، والتي تضم علماء الدين والاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والإعلام ومفكرين، بناء على طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وأكد وزير الأوقاف، الدكتور محمد جمعة، مساء أمس، أن كل سنة من السنوات الخمس تتضمن 54 موضوعاً متنوعاً من مختلف المجالات، وسيتم استطلاع الأئمة في تلك الموضوعات تمهيداً لوضعها في صياغتها النهائية، مبيناً أن أولى خطب العام الأول من الأعوام الخمسة تبدأ في شهر مارس/ آذار المقبل.
وقال جمعة، في بيان صادر عن الوزارة، الثلاثاء، إن فلسفة الخطبة تقوم على التنوع وعدم الإفراط في جانب دعوي أو فكري على حساب الجانب الآخر أو إهماله؛ إذ عنيت الخطة بمختلف المحاور الفكرية، فضمت القيم الأخلاقية والوطنية، ومعالجة قضايا التطرف والإرهاب، وتناول قضايا العمل والإنتاج والشباب والأسرة والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والإيمانيات، والمناسبات الدينية والوطنية، والقضايا العامة.
ومن المقرر أن تطرح الخطب على موقع الوزارة على الإنترنت لتلقي ملاحظات بشأنها ومراجعتها قبل رفعها كاملة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وجاء القرار بعد فترة وجيزة من حديث السيسي في احتفال المولد النبوي، الذي وجه خلاله انتقاداً علنياً لوزير الأوقاف، قائلاً "إنه طلب منه تحديث الخطاب الديني فقام الوزير بتوحيد خطبة الجمعة"، وطالب السيسي بـ"تشكيل هيئة علماء تعمل على مدار أيام العام لتجديد الخطاب الديني.
وأثار إعلان وزارة الأوقاف، الخميس الماضي، عن خطتها مزيداً من الجدل. واعتبر مراقبون أنه يحوّل الداعية إلى آلة تردد ما يمليه عليه النظام بلا اجتهاد ولا إبداع، وهذا ما يريده النظام، فالخطيب مجرد بوق فوق المنبر، يردد دون وعي ولا فهم ما يريدونه".
فيما حذر" د.أحمد. س. ج"، الأستاذ بجامعة الأزهر، من خطة الأوقاف لقولبة الجمهور المتلقي بما يريده النظام الحاكم، مشيراً إلى أن "وزير الأوقاف يسعى بكل الطرق لإرضاء السيسي بإصدار هذه القرارات".
فيما اعتبر أستاذ الشريعة، رجب سليمان، توحيد خطب الجمعة لخمسة أعوام "انتكاسة وتبديداً للخطاب الديني، ونتيجته فرار الناس من المساجد، فتخرب ولا يقصدها إلا الكهول، كما كان الحال منذ قرن تقريباً قبل الصحوة الإسلامية".
وأضاف في تصريحات صحافية، "في الوقت الذي كان يفترض أن تعين الأوقاف الإمام لينهض بهذا الدور، ها هي تغرق في الصراع السياسي الذي كان من الواجب عليها أن تنأى عنه".
وطالب بأن "يتعدّى دور إمام المسجد الوعظ إلى إصلاح المجتمع كله حتى الذين لا يحضرون الصلاة".
وكان بيان لوزارة الأوقاف المصرية، الخميس الماضي، قال إن: لجاناً علمية تابعة للجنة تجديد الخطاب الديني التي أمر السيسي بتشكيلها أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الشهر الماضي، كتبت موضوعات الخطب بمشاركة نخبة أساتذة وعلماء دين ونفس واجتماع، ستعرض قريباً على موقع الوزارة على الإنترنت لتلقي أية ملاحظات أو مقترحات بشأنها.
وأوضحت الأوقاف أن موضوعات الخطب التي تم إعدادها شملت 13 محوراً، من بينها الأخلاق والقيم الوطنية والتطرف والإرهاب والعمل وبناء الأسرة والشباب والمرأة والمناسبات الدينية، مشيرة إلى أنه في حالة حدوث أي مستجدات أو حوادث طارئة "سيتم تخصيص الجزء الثاني من الخطبة لمعالجتها في حدود ما تقتضيه طبيعة كل ظرف على حدة".
وكانت الوزارة قد حذرت جميع الخطباء التابعين لها؛ من مغبة عدم الالتزام بنص الخطبة، أو بجوهرها على أقل تقدير، مع وضع ضابط زمني للخطبة مدته 20 دقيقة كحد أقصى، مشددة على أنه سيتم استبعاد أي خطيب لا يلتزم بموضوع الخطبة.
من جانبه؛ قال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أحمد معبد، إن توحيد الخطبة، أو إعداد خطب مسبقة لسنوات قادمة "سيؤثر على الخطاب الديني نفسه الذي من المفترض أن يواكب متغيرات العصر".
وأضاف في تصريحات صحافية: "الخطة امتداد لمشروع الخطبة المكتوبة الذي تريد الحكومة تطبيقه، وللأسف هذه الأفكار ستحوّل الأئمة إلى آلات بدون عقل؛ تنفذ ما يُملى عليها من قبل وزير الأوقاف".
وأشار إلى أن هناك أحداثاً متغيرة في الحياة اليومية للمسلمين، ولا يصح أن تقيد بكلمات مكتوبة يتم إملاؤها على خطباء المساجد، "فالدين الإسلامي الذي ارتضاه الله لنا يناسب كل العصور والأحوال، مبيناً أن الأحداث المتغيرة تقع في كل قرية ومدينة، وعلى كل إمام مسؤولية أن يضع حلولاً دينية لهذه المشكلات، "فكيف نضع خطبة موحدة، أو خطباً على مدار خمس سنوات لكل هؤلاء؟".
وتابع: "لو عدنا لعصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لرأينا أن الدعوة كانت متجددة بسبب الأحداث المتلاحقة، ولم تكن هناك خطبة موحدة مثلما يريد وزير الأوقاف".
وفي سياق متصل، توقع رئيس تحرير الأهرام السابق، عبدالناصر سلامة، ألا تبشر الخطب إلا بالفقر، وأن الثراء نقمة، وأن جنيهين يكفيان المواطن للإنفاق اليومي، لافتاً إلى أن الخطبة أصبحت بمثابة دعوة إلى الاستسلام للتقشف والضنك، والخضوع للأمر الواقع، على اعتبار أن هذا بلاء وابتلاء من الله سبحانه وتعالى، الخطبة أصبحت بمثابة دعوة صريحة إلى الربط بين الإسلام والفقر، أو بين الإسلام والاستسلام، ذلك أن أي محاولة لتحسين الأوضاع، إن قولاً أو فعلاً، إنما هي اجتراء على مشيئة الله". واصفاً القرار بـ"المخجل".
ويسعى السيسي، تحت شعاره الدائم "محاربة الإرهاب" إلى السيطرة على عقول الشعب المصري، عبر جميع أجهزة الدولة، سواء الإعلامية، كإلغاء برامج ومصادرة مقالات وحظر نشر، والدينية، عبر الخطب الموحدة والخطب المكتوبة، أو المؤسسات التعليمية، كمراجعة المناهج وإعادة كتابتها بنكهة النظام الحاكم.