لا تُخاطب العائلات الألمانية الأطفال إلا بلغتهم الأم. ونادراً ما تختار أسماء أجنبية لهم. بالنسبة لكثيرين، فإن تعلم لغة أجنبية لا يعدّ ميزة إضافية للصغار، على الرغم من إدراكهم لأهمية إتقان لغة أو لغتين أجنبيتين. المهم ألا يتحدثوا تلك اللغات في البيت. تجدر الإشارة إلى أن النبلاء منذ مئات السنين، كانوا يتباهون بالحديث باللغة الفرنسية.
في السياق، تقول صحافية ألمانية تجيد اللغتين الفرنسية والإنكليزية، إنها لا تتحدث مع أطفالها إلا باللغة الألمانية. تضيف: "لا أجد سبباً حقيقياً لأتحدث بغير لغتي. كما أن الألمانية تشكل تحدياً للأطفال حتى يتقنوها. فلا داعي إذاً لأن أثقل على أولادي لتعلم لغات أخرى". أما لورا، فترى أن اللغة جزء من الهوية والثقافة. تسأل: "ما الفائدة من أن أخاطب طفلي بالفرنسية أو الاسبانية، علماً أننا نعيش في المجتمع الألماني الذي له عاداته وتقاليده؟".
في المقابل، تسعى معظم العائلات العربية إلى التحدث مع الأطفال بالألمانية وليس العربية في البيت. أمر دفع بعدد من الأسر إلى الاستعانة بأساتذة لتعليمهم اللغة العربية. تجدر الإشارة إلى أن وظيفة أستاذ لغة عربية في ألمانيا تعدّ مربحة للغاية.
تقول عدد من النساء العربيات إنه "يجب علينا التحدث باللغة الألمانية مع أطفالنا حتى يتقنوها، وخصوصاً أنهم يعيشون في المجتمع الألماني. كما أنهم ليسوا مرتبطين بأوطانهم، بخاصة أولئك الذين هُجّروا منها قسراً، على غرار الفلسطينيين". انطلاقاً من هنا، يرين أنه يجب الحديث مع الأطفال باللغة الألمانية. يلفتن أيضاً إلى ضيق الوقت، ونسيانهن بعض المصطلحات بعدما اعتدن الحديث باللغة الألمانية. من جهتهم، يفضل الأطفال استخدام اللغة الألمانية وفهمها، كونهم يستخدمونها مع الأصدقاء في المدرسة.
يبدو لافتاً اتقان الأطفال العرب اللغة الألمانية، مع الحفاظ على تقاليد مجتمعاتهم الشرقية. في هذا الإطار، يرى كثير من الخبراء أن الأطفال ربما يعانون من صراع ثقافي قد يؤثر على قدرتهم على تعلم اللغتين. على سبيل المثال، متى يتحدثون الألمانية أو العربية؟ وأكثر من يعاني من هذا الإرباك الأطفال في سنواتهم الأولى. لذلك، توصي دور الحضانة العرب بالتحدث مع الأطفال بلغتهم الأم، على أن تتولى دور الحضانة مهمة تعليمهم اللغة الألمانية.
في السياق، تقول إحدى مدرّسات اللغة العربية لـ "العربي الجديد": "المشكلة إن كثيراً من الأطفال العرب لا يتقنون اللغتين. لا يتكلمون العربية أو الألمانية بشكل صحيح، ما يضطر بعض العائلات إلى إخضاعهم أيضاً لدورات تقوية باللغة الألمانية". تضيف أن بعض العائلات المقيمة في ألمانيا تحرص على تعليم الأطفال اللغة العربية لقراءة وحفظ القرآن. أما الدافع الآخر، فيتمثل في زيادة فرصهم لإيجاد وظائف في المستقبل، وخصوصاً في مجالات الترجمة أو العمل الدبلوماسي.
من جهتها، تلفت المعلمة سناء هلال إلى "أننا نواجه صعوبات كثيرة في تعليم اللغة العربية". تقول: "لا توجد منهجية واضحة لتدريس اللغة. لكل أستاذ أسلوبه. وهناك صعوبة حقيقية في تعليم اللغة الفصحى لأطفال اعتادوا فقط اللغة العامية، عدا عن وجود لهجات عربية مختلفة، ما يؤدي إلى تعقيد عملية التعليم أكثر فأكثر".
بعض النساء العربيات اللواتي تزوجن من ألمان، يحرن بأية لغة يجب أن يتكلمن مع أطفالهن. يختار بعضهن التكلم بالألمانية باعتبار أنهن يعشن في هذا المجتمع. فيما ترى أخريات في الأمر إنكاراً لأوطانهن التي جئن منها وعشن فيها سنوات طوال. في السياق، تسأل إحداهن: "ما هي اللغة التي يجب أن أستخدمها مع ابني؟ في البداية، كنت أعتقد أن مخاطبته باللغة الألمانية هي تعبير عن اندماجي في المجتمع الألماني وعائلة زوجي. إلا أن ردات فعل كثيرين حيال الأمر لم تكن مرحبة". فيما تقول أخرى: "لطالما نصحني الألمان أن أتحدث مع أطفالي باللغة العربية، على أن يخاطبهم والدهم باللغة الألمانية. وهذا ما فعلناه. اليوم، يتقن أطفالي اللغتين".
من جهتها، تلفت المعلمة في صفوف الروضة جوليانة كلونيك إلى أن "الأطفال إذا سمعوا أكثر من لغة، فإنهم يميلون إلى حفظ الكلمات الأسهل من كل لغة أو الأكثر تداولاً. لذلك، يجب على الأب والأم اختيار لغة واحدة لمخاطبة أطفالهم من خلالها. ومع الوقت، سنجد أن الطفل بات يتقن اللغتين من دون أن يختار اللغة التي تروقه أكثر".