قبل خمسة أعوام، توفي أورنكزيب، وهو أحد سكان مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، إثر إصابته بمرض في القلب. بدأت معاناته مذ كان شاباً، إلا أنه توفي قبل بلوغه العقد الخامس من العمر، تاركاً أربعة أطفال أكبرهم كاشف. في ذلك الوقت، كان يبلغ ثمانية أعوام فقط. أما البقية، فكانوا صغاراً ولم يدركوا حقيقة ما حدث. هذه العائلة وجدت نفسها في حاجة إلى مساعدة فجأة، على حد قول الزوجة، التي لم تتجاوز الـ 35 عاماً. إلا أن ذلك لم يتحقق.
كاشف، البالغ من العمر 13عاماً في الوقت الحالي، كان يذهب إلى المدرسة القريبة من منزله في روالبندي. وبعد ظهر كل يوم، تساعده المعلمة التي كانت تسكن إلى جوار بيته قبل خمسة أعوام. كل شيء بدا جميلاً حينها، وقد أصر الأب على تعليم أولاده. لطالما حلم بمستقبل جميل لهم.
مرة واحدة، دفنت جميع أحلام الوالد والأطفال، بسبب مرضه وهو في عمر صغير. وصارت الأم مسؤولة عن أربعة أطفال من دون أن يبادر أحد إلى مساعدتها. عانت كثيراً وتحدت الأعراف والتقاليد. كان همها الوحيد تأمين لقمة العيش لأولادها الصغار. وعلى الرغم من محاولاتها الكثيرة، إلا أنها لم تتمكن من ارسال أطفالها إلى المدرسة. فالأجر الذي كانت تتقاضاه جراء عملها في تنظيف البيوت والتطريز والخياطة لم يكن كافياً. تلفت إلى أن الظروف والعادات السائدة كانت قاسية، وقد حرمتها من تحقيق أحلامها.
صحيح أنها استطاعت، بفعل اصرارها، إعالة أولادها، إلا أن ارسالهم إلى المدرسة كان شبه مستحيل. في وقت لاحق، تفاقمت مشاكل الأسرة، واضطرت إلى إرسال كاشف إلى السوق للعمل، ليساهم معها في توفير احتياجات الأسرة. خرج إلى السوق حين كان عمره 11 عاماً، بهدف مساعدة والدته في تأمين احتياجات الأسرة الفقيرة. كانت تخشى عليه من السوق. في الوقت نفسه، لم يكن لديها خيار آخر. أما كاشف، فكان يحلم أن يصير طبيباً، لكن الحياة ساقته إلى مكان آخر تماماً.
كان صغير السن إذاً. إلا أن وضع الأسرة المعيشي الصعب أجبره على العمل في "مجتمع لا يرحم الصغير أو الكبير"، على حد قول والدته. في ما مضى، كانت الأسرة تسكن في أحد أحياء مدينة راولبندي، مسقط رأس أورنكزيب. لكن بعد وفاته، انتقلت إلى ضواحي العاصمة إسلام أباد، وتدفع في الوقت الحالي ثلاثة آلاف روبية باكستانية (28 دولاراً أميركياً) بدل إيجار منزل مكون من غرفتين صغيرتين. إلا أن مشكلة هذا البيت، بحسب الوالدة، أنه لا يحميهم تماماً في حال هطول الأمطار.
اقرأ أيضاً: إرهاب في باكستان.. هجوم مسلّح يحصد أرواح الطلاب
قبل عامين، بدأ كاشف العمل في دكان صغير قريب من منزله. ويتقاضى شهرياً نحو أربعة آلاف روبية، أي ما يعادل 38 دولاراً أميركياً، علماً أنه يقضي كامل يومه في العمل، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى المساء. وإذا ما تأخر قليلاً، تقلق والدته كثيراً.
تقول الأم: "أخاف على ولدي الصغير من التعب". تضيف: "عند آذان المغرب، أقف عند باب البيت بانتظار وصوله". تدرك أن الانتظار في الداخل لن يغير أي شيء. لكن هذا كان يريحها. في بعض الأحيان، تخرج إلى السوق مع ابنها الصغير فيان لتفقد أحوال كاشف، ثم تعود إلى البيت بعدما تكون قد اطمأنت.
قبل نحو عام، بدأ كاشف يصطحب شقيقه الصغير فيان إلى السوق. وصارا يعملان معاً في سوق واحد. يخرجان من المنزل في الصباح ويعودان معاً في المساء. تقول إن وجودهما مع بعضهما بعضاً كان يشعرها بالراحة. لكن على الرغم من عمل كليهما، لم يتمكنا من تأمين جميع احتياجات الأسرة. فالمبلغ الذي يتقاضيانه يعد ضئيلاً. في هذا السياق، يقول كاشف: "أعمل وأخي منذ الصباح الباكر وحتى المساء من دون أي راحة، باستثناء فترة الغداء". يضيف: "مع ذلك، لا يمكننا توفير جميع احتياجات الأسرة من طعام وشراب وثياب وأثاث للمنزل، وحتى العلاج المناسب في حال مرض أحد منا".
صار كاشف مدركاً لمتطلبات الحياة الكثيرة. يتحدث عن بدل إيجار المنزل وفواتير الكهرباء والغاز التي تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الأم. من جهة أخرى، يلفت الصبي إلى أن أسلوب معاملة رب العمل أحياناً قد تجعله غير متحمس للتعلم أو إنجاز العمل بالسرعة المطلوبة. يتابع: "في بعض الأحيان، توكل إلينا مهمة غسل السيارات، وهذا عمل شاق. هكذا يختار رب العمل تشغيل أطفال صغار لاعطائهما راتباً أقل، ولا يتردد في الطلب منهما إنجاز الكثير".
ويلفت كاشف إلى أن "أكثر ما يضايقني هو أن رب العمل لا يعطيني أجرتي وشقيقي مساء بذريعة عدم وجود مال معه، إلا أنه يعطي المال للأكبر سناً، ما يعني أننا نعود إلى المنزل من دون أي مبلغ، وذلك بعد تعب ومعاناة يوم كامل". أما فيان، فهمه الوحيد هو أخذ مبلغ قليل من راتبه على أن يعطي البقية لوالدته. همه الوحيد هو شراء ما تيسر من الملابس والألعاب. ما زال صغيراً وغير مدرك لاحتياجات أسرته. وحين يكبر قليلاً، لن يعود بإمكانه إهداء نفسه.
اقرأ أيضاً: أطفال وفتيات باكستان في قبضة العصابات