اختلفت حياة اللاجئين السوريين في تركيا بعد الاتفاق التركي ـ الأوروبي. لم يعد هؤلاء يشعرون بأنه مرحب بهم كما في السباق، بعدما قررت الحكومة الحد من تدفقهم، وقررت "حصارهم" في الداخل
على الرغم من فشل الاتفاق التركي ـ الأوروبي حتى الآن في تخفيض أعداد اللاجئيين والمهاجرين المتدفقين إلى أراضيها عبر تركيا، فقد بدا التأثير واضحاً على حياة اللاجئين السوريين. ويمكن القول إن أولى نتائج هذا الاتفاق تمثلت في فرض السلطات التركية بداية العام الحالي، تأشيرات دخول على السوريين الراغبين بدخول أراضيها من بلد ثالث، بعدما أغلقت المعابر الحدودية المشتركة في وجه السوريين قبل نحو ستة أشهر، وسط إجراءات أمنية مشددة على الحدود. كما لم تسمح لموجة المهاجرين الأخيرة من ريف حلب بدخول أراضيها.
وفي وقت أطلقت الحكومة التركية موقعاً إلكترونياً للحصول على تصاريح العمل للاجئين المشمولين ضمن الحماية المؤقتة، أي السوريين من حملة بطاقة "الكيمليك" بشكل أساسي، إلا أنها كانت قد عملت في وقت سابق على الحد من حركة اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية، وفرضت عليهم الحصول على أذون للتنقل بين المدن التركية. وكالعادة، ظهر أشخاص يتولون تهريب السوريين بين المدن التركية هذه المرة.
في السياق، يقول أحمد (35 عاماً)، وهو من أعزاز في ريف حلب، ويقيم في أحد مخيمات كيليس، لـ "العربي الجديد": "لا أعرف ماذا أفعل. أخي وعائلته وأمي وأبي وأختي وأولادها فروا من مدينة مارع (شمال حلب) بعد الهجوم الأخير الذي شنته قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني). يعيشون اليوم في مخيمات أنشأتها الحكومة التركية قرب معبر باب السلامة الحدودي". يشير إلى أنه مرتاح في المخيم لكنه خائف على عائلته، ويودّ لو يستطيع نقلهم إلى تركيا. لكن لا يبدو الأمر ممكناً، إذ لا تفتح البوابات الحدودية إلا للمرضى لنقلهم إلى المستشفيات، أو إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية.
حصار في الداخل
لا يقتصر التأثير على السوريين على الطرف الآخر من الحدود، بل يشمل أيضاً أولئك المقيمين داخل المدن التركية. وبعد التهديدات الأمنية سواء من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو حزب العمال الكردستاني، وبهدف منع السوريين من الذهاب إلى المدن الساحلية أو التوجه إلى الجزر اليونانية، عمدت السلطات التركية إلى اتخاذ تدابير أمنية عالية، ومنعت بموجبها السوريين من الحركة بين المدن من دون الحصول على إذن من مديرية أمن المدينة التي يقيمون فيها، إلا إذا كانوا يحملون إقامة.
إلى ذلك، تبلغ كلفة تأمين أوراق وعقد إيجار منزل وتأمين صحي نحو ألف دولار، عدا عن امتلاك حساب مصرفي فيه ستة آلاف دولار. يقول ماهر (28 عاماً)، الذي يقيم في غازي عنتاب: "لا أملك ستة آلاف دولار. بل لا أملك مائتي ليرة تركية للحصول على عقد إيجار نظامي. أسكن وعائلتي الكبيرة المؤلفة من 18 شخصاً في إحدى الأبنية التي أخليت من سكانها لتهدم في إطار برنامج تجديد الأبنية المتهالكة في المدينة".
يضيف: "كنا من بين آخر المجموعات التي دخلت تركيا عبر معبر باب السلامة قبل نحو ستة أشهر. وبعدما وصلنا إلى كيليس، تقدمت بطلب للحصول على بطاقة الكيمليك. وعندما وجدت عملاً عن طريق أحد أقاربي في عنتاب في إحدى ورشات البناء، تقدمت بطلب إلى مديرية الأمن للحصول على إذن زيارة، وحصلت على إذن لمدة عشرة أيام. جئت وعائلتي إلى عنتاب وسكنا مع أقاربنا في المبنى المهجور، ولم نرجع".
ويلفت إلى أن حياته تحسنت بعدما وجد عملاً، وبات قادراً على تأمين متطلبات عائلته الأساسية، بدلاً من البقاء في "سجن المخيم"، على حد قوله. يضيف: "أشعر بأنني ملاحق من الشرطة، على الرغم من أن موقع البناء الذي أعمل فيه قريب من البيت لذي أسكن فيه. لكنني أبقى خائفاً من أي دورية شرطة، ولا أسمح لزوجتي وأطفالي بتجاوز الشارع الذي نسكن فيه. ففي حال قبض علينا، سننقل إلى المخيم مجدداً".
"كيمليك"
أما محمود (35 عاماً)، فيقول إنه بعد مرور عامين على وجوده في تركيا، لم يشعر بأنه في حاجة إلى التقدم بطلب للحصول على "كيمليك". يضيف: "كنا نستطيع التنقل بحرية بين المدن التركية ونستخدم كافة وسائل النقل. أحياناً، نذهب إلى سورية ونعود من دون أي عوائق. لكن الأمور تغيرت".
تجدر الإشارة إلى أن إدارة الهجرة في مديريات الأمن التركية تمنح اللاجئين السوريين نوعين من الإقامات. الأولى هي إقامة سياحية تجدد سنوياً، ولا يستطيع معظم السوريين تأمين كلفتها المادية لأنها تستوجب الحصول على تأمين صحي وعقد إيجار منزل نظامي وتوفير مبلغ ستة آلاف دولار في الحساب المصرفي. والثانية هي "الكيمليك"، وهي عبارة عن بطاقة تعريف، فيها صورة صاحبها واسمه ورقم خاص به. وفي وقت تسمح الإقامة لحاملها التنقل بحرية ضمن الأراضي التركية، لم تعد تسمح بطاقة الكيمليك لحاملها التنقل خارج المدينة التي يقيم فيها، لكنها توفر له رعاية صحية وتعليماً مجانياً وخدمات في ما يتعلق بتسجيل الأوراق الرسمية والعقود.
وبعدما كانت بطاقات الكيمليك متاحة لجميع السوريين، صار الحصول عليها أكثر صعوبة، بعدما توقفت مديريات الأمن التركية عن تقديمها في محاولة لمنع قدوم مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا. وتشير تقارير إعلامية إلى قيام السلطات التركية بإعادة السوريين الذين استطاعوا عبور الحدود بشكل غير نظامي، ولا يحملون بطاقة الكيمليك، إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية.
من جهته، يقول أحمد (40 عاماً) إنه كان يعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بالسوريين في غازي عنتاب. في وقت لاحق، استطاع الحصول على عمل في إسطنبول، وقررالالتحاق بالعمل بعد ترتيب إجراءات نقل العائلة. ويوضح أنه بسبب كلفة الإقامة السياحية، "لم أستخرج إقامة إلا لي ولزوجتي. ولم أحصل على إقامات لأطفالي الأربعة. ولأنني لم أحتج إلى الكيمليك، لم أتقدم بطلب للحصول عليها أيضاً، علماً أن أفراد عائلتي قد دخلوا الأراضي التركية بشكل نظامي من خلال جوازات سفرهم". وحين استعد للانتقال، لم يتمكن من الحصول على أذون سفر للأطفال لأنهم لا يملكون الكيمليك. كذلك، لم يستطع التقدم للحصول على الكيمليك بعدما علقت السلطات الأمر منذ فترة. يضيف: "عرفت بأنه سيفتح باب التقدم للحصول عليها خلال الأيام المقبلة".
تفتيش
في المقابل، يشير جميل (25 عاماً)، والذي يحمل بطاقة "الكيمليك" ويعملُ في عنتاب، إلى أنه يزور والديه المقيمين في أحد مخيمات كيليس أسبوعياً، من دون أن يجد أي صعوبة في استخراج إذن سفر. ويشرح أنه "قبل نحو ثلاثة أشهر، أنزلت من الحافلة حين كنت في طريقي إلى كيليس، وطلب مني الشرطي العودة واستخراج إذن سفر، وهذا ما فعلته. منذ ذلك الوقت، لم أواجه أي مشكلة في استخراج إذن سفر. علي فقط أن أتقدم بطلب قبل يوم واحد إلى مديرية الأمن (الأَمنيات) لأحصل عليه. وفي اليوم التالي أتوجه إلى كيليس".
أما قيس (33 عاماً)، والمقيم في تركيا منذ ثلاثة أعوام، فيشير إلى أنه حصل على عمل في هاتاي (لواء إسكندرون)، وبقيت عائلته في مدينة كيليس. يقول: "أوقفت للمرة الأولى منذ مجيئي إلى هنا، على الطريق بين هاتاي وكيليس، حين كنت في طريقي لزيارة عائلتي، وذلك قبل نحو شهرين ونصف الشهر. أنزلت من الحافلة من قبل عناصر الشرطة، وأعطوني إذن زيارة لمرة واحدة إلى كيليس". وفي المرة الثانية، راجع مديرية الأمن للحصول على إذن للتنقل بين هاتاي وكيليس، "لكنها رفضت منحي إياه. قالوا إن وجود عائلتي في كيليس أمر لا يعنيهم. تغيرت معاملتهم معنا".
تجدر الإشارة إلى أن نقاط التفتيش التابعة للدرك والشرطة التركية تنتشربشكل كثيف على الطرقات بين كل من عنتاب وكيليس وهاتاي، وهي المدن الجنوبية الثلاث التي تشهد كثافة سكانية كبيرة للسوريين. وتتواجد أيضاً على الطرقات المؤدية إلى مرعش شمالاً أو مرسين غرباً. وفي وقت تتميز السيارات السورية في تركيا بلوحات خاصة منحتها إياها السلطات التركية، يعمل أفرادها على إيقاف هذه السيارات بالذات، وسؤال الركاب عن الإقامات أو أذون التنقل. وفي حال لم تكن موجودة، تمنع السيارات من إكمال طريقها ويُطلب منها العودة بعد تفتيشها بدقة.
ولا ينحصر الأمر بالسيارات السورية. أيضاً، تمنع الحافلات من متابعة طريقها في حال الاشتباه بها. وفي حال عثرت الشرطة على شخص سوري لا يحمل إذن تنقل أو إقامة، يعاد إلى المدينة التي قدم منها. في هذا الإطار، يقول قيس: "أدعو الله ألا أضطر إلى المكوث في المخيمات. لقد تعلمت التركية ووجدت عملاً والحياة جيدة. إذا ما شعرت بالتعب في هاتاي، أو ساء حالي لسبب أو لآخر، أستطيع التوجه إلى المدينة والتجول قليلاً. أما في المخيم، فأشعر وكأنني في حرب. وهذا صعب. لا أستطيع المكوث في مكان أشعر فيه دائماً وكأنني هربت من سورية للتو".
خيارات أخرى
في مواجهة رفض السلطات أحياناً منح أذون تنقل للسوريين، وفي وقت تحاول أنقرة ضرب شبكات التهريب في بحر إيجه، بدأ بعض المواطنين الأتراك العمل كمهربين بين المدن التركية. وعادة ما يستخدم هؤلاء سيارات بلوحات تركية، ويسيرون بعيداً عن الطرقات الرئيسية التي تتواجد فيها نقاط التفتيش. ويضطر المسافر إلى دفع ما بين 200 و300 ليرة تركية.
يقول قيس: "لم أكن أفكر أبداً بالذهاب إلى أوروبا لأنني لا أريد البدء من جديد. وبعد ثلاث سنوات من التعب في تركيا، وفي ظل تشديد التعامل معنا من قبل السلطات التركية، قرر ثلاثة من أبناء عمومتي الذهاب إلى أوروبا وهم الآن في ألمانيا. وبدأت أفكر باللحاق بهم بعدما صارت الحياة أقل أماناً في تركيا".
يأتي هذا في وقت أطلقت مديرية العمل العامة التركية، موقعاً إلكترونياً للتقدم بطلب الحصول على إذن عمل للاجئين السوريين، الأمر الذي يفترض أن يحمي حقوقهم ويمنع استغلالهم من قبل أرباب العمل السوريين أو الأتراك.
ويتيح الموقع للسوريين المقيمين في تركيا، والحاملين لبطاقة التعريف "الكيمليك"، التقدم بطلب الحصول على إذن العمل من خلال الموقع، على أن يقوم صاحب العمل أو الشركة بتعبئة الطلب.
ويشترط أن يكون هناك وثيقة تثبت أن الشخص الأجنبي مشمول ضمن إطار الحماية المؤقتة، بالإضافة إلى تحديد هويته ورقم الهوية، عدا عن صورة شخصية للشخص الأجنبي المتقدم بالطلب.
وتجدر الإشارة إلى أن نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أكدوغان، كان قد أكد قبل أيام، من خلال تغريدة له على "تويتر"، أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى مليونين و733 ألفاً و784 شخصاً، منهم 282 ألفاً و815 لاجئاً يقطنون في 28 مخيماً.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تواجه استمالة الجماعات المتطرفة للمهاجرين
على الرغم من فشل الاتفاق التركي ـ الأوروبي حتى الآن في تخفيض أعداد اللاجئيين والمهاجرين المتدفقين إلى أراضيها عبر تركيا، فقد بدا التأثير واضحاً على حياة اللاجئين السوريين. ويمكن القول إن أولى نتائج هذا الاتفاق تمثلت في فرض السلطات التركية بداية العام الحالي، تأشيرات دخول على السوريين الراغبين بدخول أراضيها من بلد ثالث، بعدما أغلقت المعابر الحدودية المشتركة في وجه السوريين قبل نحو ستة أشهر، وسط إجراءات أمنية مشددة على الحدود. كما لم تسمح لموجة المهاجرين الأخيرة من ريف حلب بدخول أراضيها.
وفي وقت أطلقت الحكومة التركية موقعاً إلكترونياً للحصول على تصاريح العمل للاجئين المشمولين ضمن الحماية المؤقتة، أي السوريين من حملة بطاقة "الكيمليك" بشكل أساسي، إلا أنها كانت قد عملت في وقت سابق على الحد من حركة اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية، وفرضت عليهم الحصول على أذون للتنقل بين المدن التركية. وكالعادة، ظهر أشخاص يتولون تهريب السوريين بين المدن التركية هذه المرة.
في السياق، يقول أحمد (35 عاماً)، وهو من أعزاز في ريف حلب، ويقيم في أحد مخيمات كيليس، لـ "العربي الجديد": "لا أعرف ماذا أفعل. أخي وعائلته وأمي وأبي وأختي وأولادها فروا من مدينة مارع (شمال حلب) بعد الهجوم الأخير الذي شنته قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني). يعيشون اليوم في مخيمات أنشأتها الحكومة التركية قرب معبر باب السلامة الحدودي". يشير إلى أنه مرتاح في المخيم لكنه خائف على عائلته، ويودّ لو يستطيع نقلهم إلى تركيا. لكن لا يبدو الأمر ممكناً، إذ لا تفتح البوابات الحدودية إلا للمرضى لنقلهم إلى المستشفيات، أو إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية.
حصار في الداخل
لا يقتصر التأثير على السوريين على الطرف الآخر من الحدود، بل يشمل أيضاً أولئك المقيمين داخل المدن التركية. وبعد التهديدات الأمنية سواء من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو حزب العمال الكردستاني، وبهدف منع السوريين من الذهاب إلى المدن الساحلية أو التوجه إلى الجزر اليونانية، عمدت السلطات التركية إلى اتخاذ تدابير أمنية عالية، ومنعت بموجبها السوريين من الحركة بين المدن من دون الحصول على إذن من مديرية أمن المدينة التي يقيمون فيها، إلا إذا كانوا يحملون إقامة.
إلى ذلك، تبلغ كلفة تأمين أوراق وعقد إيجار منزل وتأمين صحي نحو ألف دولار، عدا عن امتلاك حساب مصرفي فيه ستة آلاف دولار. يقول ماهر (28 عاماً)، الذي يقيم في غازي عنتاب: "لا أملك ستة آلاف دولار. بل لا أملك مائتي ليرة تركية للحصول على عقد إيجار نظامي. أسكن وعائلتي الكبيرة المؤلفة من 18 شخصاً في إحدى الأبنية التي أخليت من سكانها لتهدم في إطار برنامج تجديد الأبنية المتهالكة في المدينة".
يضيف: "كنا من بين آخر المجموعات التي دخلت تركيا عبر معبر باب السلامة قبل نحو ستة أشهر. وبعدما وصلنا إلى كيليس، تقدمت بطلب للحصول على بطاقة الكيمليك. وعندما وجدت عملاً عن طريق أحد أقاربي في عنتاب في إحدى ورشات البناء، تقدمت بطلب إلى مديرية الأمن للحصول على إذن زيارة، وحصلت على إذن لمدة عشرة أيام. جئت وعائلتي إلى عنتاب وسكنا مع أقاربنا في المبنى المهجور، ولم نرجع".
ويلفت إلى أن حياته تحسنت بعدما وجد عملاً، وبات قادراً على تأمين متطلبات عائلته الأساسية، بدلاً من البقاء في "سجن المخيم"، على حد قوله. يضيف: "أشعر بأنني ملاحق من الشرطة، على الرغم من أن موقع البناء الذي أعمل فيه قريب من البيت لذي أسكن فيه. لكنني أبقى خائفاً من أي دورية شرطة، ولا أسمح لزوجتي وأطفالي بتجاوز الشارع الذي نسكن فيه. ففي حال قبض علينا، سننقل إلى المخيم مجدداً".
"كيمليك"
أما محمود (35 عاماً)، فيقول إنه بعد مرور عامين على وجوده في تركيا، لم يشعر بأنه في حاجة إلى التقدم بطلب للحصول على "كيمليك". يضيف: "كنا نستطيع التنقل بحرية بين المدن التركية ونستخدم كافة وسائل النقل. أحياناً، نذهب إلى سورية ونعود من دون أي عوائق. لكن الأمور تغيرت".
تجدر الإشارة إلى أن إدارة الهجرة في مديريات الأمن التركية تمنح اللاجئين السوريين نوعين من الإقامات. الأولى هي إقامة سياحية تجدد سنوياً، ولا يستطيع معظم السوريين تأمين كلفتها المادية لأنها تستوجب الحصول على تأمين صحي وعقد إيجار منزل نظامي وتوفير مبلغ ستة آلاف دولار في الحساب المصرفي. والثانية هي "الكيمليك"، وهي عبارة عن بطاقة تعريف، فيها صورة صاحبها واسمه ورقم خاص به. وفي وقت تسمح الإقامة لحاملها التنقل بحرية ضمن الأراضي التركية، لم تعد تسمح بطاقة الكيمليك لحاملها التنقل خارج المدينة التي يقيم فيها، لكنها توفر له رعاية صحية وتعليماً مجانياً وخدمات في ما يتعلق بتسجيل الأوراق الرسمية والعقود.
وبعدما كانت بطاقات الكيمليك متاحة لجميع السوريين، صار الحصول عليها أكثر صعوبة، بعدما توقفت مديريات الأمن التركية عن تقديمها في محاولة لمنع قدوم مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا. وتشير تقارير إعلامية إلى قيام السلطات التركية بإعادة السوريين الذين استطاعوا عبور الحدود بشكل غير نظامي، ولا يحملون بطاقة الكيمليك، إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية.
من جهته، يقول أحمد (40 عاماً) إنه كان يعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بالسوريين في غازي عنتاب. في وقت لاحق، استطاع الحصول على عمل في إسطنبول، وقررالالتحاق بالعمل بعد ترتيب إجراءات نقل العائلة. ويوضح أنه بسبب كلفة الإقامة السياحية، "لم أستخرج إقامة إلا لي ولزوجتي. ولم أحصل على إقامات لأطفالي الأربعة. ولأنني لم أحتج إلى الكيمليك، لم أتقدم بطلب للحصول عليها أيضاً، علماً أن أفراد عائلتي قد دخلوا الأراضي التركية بشكل نظامي من خلال جوازات سفرهم". وحين استعد للانتقال، لم يتمكن من الحصول على أذون سفر للأطفال لأنهم لا يملكون الكيمليك. كذلك، لم يستطع التقدم للحصول على الكيمليك بعدما علقت السلطات الأمر منذ فترة. يضيف: "عرفت بأنه سيفتح باب التقدم للحصول عليها خلال الأيام المقبلة".
تفتيش
في المقابل، يشير جميل (25 عاماً)، والذي يحمل بطاقة "الكيمليك" ويعملُ في عنتاب، إلى أنه يزور والديه المقيمين في أحد مخيمات كيليس أسبوعياً، من دون أن يجد أي صعوبة في استخراج إذن سفر. ويشرح أنه "قبل نحو ثلاثة أشهر، أنزلت من الحافلة حين كنت في طريقي إلى كيليس، وطلب مني الشرطي العودة واستخراج إذن سفر، وهذا ما فعلته. منذ ذلك الوقت، لم أواجه أي مشكلة في استخراج إذن سفر. علي فقط أن أتقدم بطلب قبل يوم واحد إلى مديرية الأمن (الأَمنيات) لأحصل عليه. وفي اليوم التالي أتوجه إلى كيليس".
أما قيس (33 عاماً)، والمقيم في تركيا منذ ثلاثة أعوام، فيشير إلى أنه حصل على عمل في هاتاي (لواء إسكندرون)، وبقيت عائلته في مدينة كيليس. يقول: "أوقفت للمرة الأولى منذ مجيئي إلى هنا، على الطريق بين هاتاي وكيليس، حين كنت في طريقي لزيارة عائلتي، وذلك قبل نحو شهرين ونصف الشهر. أنزلت من الحافلة من قبل عناصر الشرطة، وأعطوني إذن زيارة لمرة واحدة إلى كيليس". وفي المرة الثانية، راجع مديرية الأمن للحصول على إذن للتنقل بين هاتاي وكيليس، "لكنها رفضت منحي إياه. قالوا إن وجود عائلتي في كيليس أمر لا يعنيهم. تغيرت معاملتهم معنا".
تجدر الإشارة إلى أن نقاط التفتيش التابعة للدرك والشرطة التركية تنتشربشكل كثيف على الطرقات بين كل من عنتاب وكيليس وهاتاي، وهي المدن الجنوبية الثلاث التي تشهد كثافة سكانية كبيرة للسوريين. وتتواجد أيضاً على الطرقات المؤدية إلى مرعش شمالاً أو مرسين غرباً. وفي وقت تتميز السيارات السورية في تركيا بلوحات خاصة منحتها إياها السلطات التركية، يعمل أفرادها على إيقاف هذه السيارات بالذات، وسؤال الركاب عن الإقامات أو أذون التنقل. وفي حال لم تكن موجودة، تمنع السيارات من إكمال طريقها ويُطلب منها العودة بعد تفتيشها بدقة.
ولا ينحصر الأمر بالسيارات السورية. أيضاً، تمنع الحافلات من متابعة طريقها في حال الاشتباه بها. وفي حال عثرت الشرطة على شخص سوري لا يحمل إذن تنقل أو إقامة، يعاد إلى المدينة التي قدم منها. في هذا الإطار، يقول قيس: "أدعو الله ألا أضطر إلى المكوث في المخيمات. لقد تعلمت التركية ووجدت عملاً والحياة جيدة. إذا ما شعرت بالتعب في هاتاي، أو ساء حالي لسبب أو لآخر، أستطيع التوجه إلى المدينة والتجول قليلاً. أما في المخيم، فأشعر وكأنني في حرب. وهذا صعب. لا أستطيع المكوث في مكان أشعر فيه دائماً وكأنني هربت من سورية للتو".
خيارات أخرى
في مواجهة رفض السلطات أحياناً منح أذون تنقل للسوريين، وفي وقت تحاول أنقرة ضرب شبكات التهريب في بحر إيجه، بدأ بعض المواطنين الأتراك العمل كمهربين بين المدن التركية. وعادة ما يستخدم هؤلاء سيارات بلوحات تركية، ويسيرون بعيداً عن الطرقات الرئيسية التي تتواجد فيها نقاط التفتيش. ويضطر المسافر إلى دفع ما بين 200 و300 ليرة تركية.
يقول قيس: "لم أكن أفكر أبداً بالذهاب إلى أوروبا لأنني لا أريد البدء من جديد. وبعد ثلاث سنوات من التعب في تركيا، وفي ظل تشديد التعامل معنا من قبل السلطات التركية، قرر ثلاثة من أبناء عمومتي الذهاب إلى أوروبا وهم الآن في ألمانيا. وبدأت أفكر باللحاق بهم بعدما صارت الحياة أقل أماناً في تركيا".
يأتي هذا في وقت أطلقت مديرية العمل العامة التركية، موقعاً إلكترونياً للتقدم بطلب الحصول على إذن عمل للاجئين السوريين، الأمر الذي يفترض أن يحمي حقوقهم ويمنع استغلالهم من قبل أرباب العمل السوريين أو الأتراك.
ويتيح الموقع للسوريين المقيمين في تركيا، والحاملين لبطاقة التعريف "الكيمليك"، التقدم بطلب الحصول على إذن العمل من خلال الموقع، على أن يقوم صاحب العمل أو الشركة بتعبئة الطلب.
ويشترط أن يكون هناك وثيقة تثبت أن الشخص الأجنبي مشمول ضمن إطار الحماية المؤقتة، بالإضافة إلى تحديد هويته ورقم الهوية، عدا عن صورة شخصية للشخص الأجنبي المتقدم بالطلب.
وتجدر الإشارة إلى أن نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أكدوغان، كان قد أكد قبل أيام، من خلال تغريدة له على "تويتر"، أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى مليونين و733 ألفاً و784 شخصاً، منهم 282 ألفاً و815 لاجئاً يقطنون في 28 مخيماً.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تواجه استمالة الجماعات المتطرفة للمهاجرين