رحل أمس الإثنين في الجزائر العاصمة المترجم الفرنسي مارسيل بوا (1925 - 2018) الذي يعد أحد أبرز من نقلوا الأدب الجزائري إلى الفرنسية، بعد إقامته في الجزائر لأكثر من خمسين عاماً، وهو الذي وصلها عام 1961 قبل أشهر من إعلان الاستقلال، وحاز جنسيتها وعاش فيها حتى رحيله.
الرجل الذي طالما ابتعد عن الإعلام والأضواء زار عام 1958 كلّا من تونس وبيروت وفيهما تعلّم اللغة العربية بعد أن نال إجازة في الأدب الفرنسي من "جامعة سترابسورغ" في بلاده، ثم انتقل إلى الجزائر ليلتحق بجامعتها لدراسة الأدب العربي، في لحظة كان الاستعمار يخرج منها، وعمل في إحدى المدارس الثانوية في العاصمة الجزائرية مدرّساً للفرنسية منذ نهايات الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات حيث أحيل على التقاعد.
استشعر بوا الانقسام اللغوي الحاصل في البلد الذي جرى احتلاله أكثر من 130 عاماً، بين نخبة فرانكوفونية وأخرى مشدودة إلى لغتها العربية، ولاحظ أن كل طرف يهتم بما ينتج في إحدى اللغتين وحينها قرّر نقل الروايات التي تُكتب بالعربية إلى الفرنسية، و"يمنحها حياة أخرى" كما يقول في إحدى مقابلاته الصحافية.
بدأ بترجمة "ريح الجنوب" لـ عبد الحميد بن هدوقة (1925 - 1996)، حيث كانت أول رواية جزائرية تترجم إلى الفرنسية، ثم أتبعها ببقية رواياته "نهاية الأمس" و"بان الصبح" و"الجازية والدروايش" و"غداً يوم جديد"، إلى جانب بعض مجموعاته القصصية وكتب موجّهة للأطفال مثل "تمثال بلا رأس"، و"رمانة الساقية"، و"أطلقوا النار على الكلمات".
انتقل بعد ذلك إلى أعمال الطاهر وطار (1936 - 2010)، حيث نقل له "الزلزال" و"عرس بغل"، ويمكن القول إن البداية الحقيقية لاهتمام القراء والنقاد في فرنسا بالأدب الجزائري بدأت مع هذا العمل، كما ترجم بوا عدة أعمال لواسيني الأعرج منها "سيدة المقام"، و"العربي الأخير"، و"الأمير"، و"البيت الأندلسي"، و"رماد الشرق"، وكذلك إبراهيم سعدي في رواية "بوح الرّجل القادم من الظّلام"، ونصوص لمرزاق بقطاش.
يُحسب لمارسيل بوا إلمامه الدقيق بسِيَر الكتّاب الذين ترجمهم إلى جانب علاقاته الوطيدة معهم، واطلاعه الواسع على التاريخ الجزائري والسياقات الاجتماعية التي ظهرت فيها أعمالهم وأبرز ثيماتها وأساليبها، ومعرفته بالعامية الجزائرية.