تعيد هذه المحاضرة تقييم الفترة العثمانية المتأخرة (القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) والتي غالباً ما توصف بالـ "الانحطاط" من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية، وتجري مقارنة مع النهضة العربية؛ الحالة الفكرية والاجتماعية التي سادت أساساً في مصر وسورية العثمانية، وامتدت لتشمل مدناً عربية أخرى كبغداد، وفاس ومراكش خلال القرن التاسع عشر.
للمقابلة بين الحالتين العثمانية والعربية، تنظر الباحثة في مصنّفات وطرق تنظيم، و"كتالوغ" أربع مكتبات في ثلاث مدن هي القدس والمدينة المنورة وحلب، والتي كانت جميعها جزءاً من الولايات العربية للإمبراطورية العثمانية خلال الفترة العثمانية المتأخرة.
من خلال دراسة استراتيجيات تنظيم وتصنيف المعرفة في هذه المكتبات، تسلّط هذه الندوة الضوء على الفهم المتطوّر للطبيعة المتغيّرة للمعرفة من قبل المشرفين على هذه المكتبات خلال هذه الفترة التاريخية الحيوية والتي لم تنل حقها من الدراسات.
تذهب الباحثة إلى أن تنظيم المكتبة يشكل نفس التحديات التي يواجها تنظيم المعرفة البشرية ضمن مجموعة من القواعد والمخططات الثابتة. التناقضات والاستثناءات والمتغيّرات اللانهائية والعناصر القابلة للتغيير التي تميز طبيعة المعرفة البشرية هي نفس العناصر التي تميّز طبيعة المكتبة.
وترى أنه في القرن الماضي، أثرت النظريات الفلسفية والأدبية لـ ما بعد الحداثة إلى حد كبير على مجال علم المكتبات وساهمت في تفكيك النموذج الوضعي لنظام عالمي وعلمي لتصنيف المعرفة. على سبيل المثال، يصف خورخي لويس بورخيس المكتبة بأنها "الكون"، مشيراً إلى أنه "من الواضح أنه لا يوجد تصنيف للكون غير تعسفي ومليء بالتخمينات. والسبب في ذلك بسيط للغاية: نحن لا نعرف ما هو الشيء الكون ... ".
بينما يتحدث فوكو عن المكتبة باعتبارها "تجربة رؤية"، موضحاً أن" الأوهام منتشرة بعناية في المكتبة الهادئة، مع أرتال الكتب فيها، وبالطريقة التي يجري فيها ترتيب عناوينها على الرفوف لتشكيل إطار محكم، لكنها أيضاً المكان الذي تتحرّر فيه عوالم مستحيلة... ".
خلال هذه المحاضرة، توظّف جياني هاتين العبارتين في محاولتها الدراسية لفهم أنظمة تصنيف المكتبة التي تم إنتاجها في الشرق العثماني، من خلال مكتبات حلب والمدينة المنورة والقدس، وتستند إلى نتائج أطروحتها والتي جاءت بعنوان "شاعرية الكتالوغ: كاتولوغات المكتبة في المقاطعات العربية خلال العصر العثماني المتأخر".
يذكر أن الأكاديمية الإيطالية مهتمة بعلم المخطوطات الإسلامية، وثقافة الكتاب الإسلامي، وتاريخ الكتاب بالعموم، بالإضافة إلى النظريات والفكر النقدي في مجالات اللغة العربية والأدب وأمانة المكتبات، وقد صدر لها عدّة كتب من بينها "تاريخ المكتبات في العالم الإسلامي: دليل مرئي" و"في ثقافة النص والوثيقة" وغيرها.