كان اللمسي أحد أشهر الناشرين التونسيين، أولاً بسبب انفتاحه على السوق المشرقية، وهو الذي أسّس "دار الغرب الإسلامي" في بيروت بداية، قبل أن يستقر بها في تونس. وثانياً بسبب مكانة اعتبارية حظي بها، باعتبار وضعه سياسة نشر تعيد بناء الذهنية المشتركة للشعوب المغاربية، فقد أصدر مئات الكتب التاريخية حول الأندلس والدول التي حكمت بلدان المغرب، وجمع التراث السياسي لحركة الإصلاح في تونس والجزائر والمغرب. ومن المؤكّد أن مهنة النشر كانت رافداً من روافد مكتبته الضخمة.
ما يميّز مكتبة اللمسي أنها ليست فقط مكتبة رجل كان يجمع الكتب، بل هي أيضاً مكتبة رجل كان يجمع المكتبات، وسيكون تسليم ما جمعه مناسبة مثلاً لاكتشاف مكتبة المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب (1884 - 1968)، التي أسرع اللمسي إلى شرائها كاملة حين علم بنيّة ورثة صاحب "مختصر تاريخ تونس" أن يفرّطوا فيها، ومن المؤكّد أنه أنقذها من تشتّت محتوياتها إلى الأبد.
تسليم مكتبة مثل مكتبة الحبيب اللمسي إلى مؤسسة رسمية، يوطّد تقليداً بات يترسّخ في تونس، وهو أمر محمود في حدّ ذاته على أمل أن يتسلم التركة من يثمّنها ويضعها في الإطار الذي يليق بها، إذ أن هكذا تركات وإن ذهبت إلى مؤسسات رسمية فإنها تظل غير معصومة من الإهمال الإداري، وتركها سنوات طويلة على الرفوف تنتظر التصنيف والوضع على ذمة الباحثين.
تحتاج هذه المكتبات إلى سياسة خاصة بها من قبل "المكتبة الوطنية" في تونس، خصوصاً وأن السنوات الأخيرة توالى فيها رحيل أعلام الثقافة التونسية في القرن العشرين، مثل توفيق بكار والمنجي الشملي ومحمد الطالبي وغيرهم كثير.
هذه السياسة الخاصة بمكتبات كبار المثقفين، تبدأ أولاً بثقة ينبغي أن تُبنى بين "دار الكتب" وهؤلاء، كي يفعلوا نفس ما قام به اللمسي، وهذا الأمر يحتاج إلى تعامل إيجابي معهم في سنيّ حياتهم بتكريمهم بصيغ مختلفة.
وبشكل عام، ينبغي إيجاد أكثر من صيغة لحماية هذه الموروثات، كتحويلها إلى مكتبات عامة ومتاحف صغيرة أو غير ذلك من أشكال الحماية، التي يسهل على مصالح وزارة الثقافة أن تؤمّنها (بالتعاون مع الورثة)، كي لا يحدث ما حدث مثلاً مع مكتبة الموسيقي الطاهر غرسة (1933 -2003) منذ سنوات، حين ذهبت ضحية النيران بسبب خلل كهربائي بسيط.