تحتضن "قاعة العروض نابليون" في اللوفر، منذ 24 من الشهر الماضي وحتى 4 يناير/كانون الثاني 2016، معرضاً يحمل عنوان "تاريخ موجز للعالم".
الأكيد أن كتابة التاريخ لا تحدُث صدفة، فما بالك حين تنطلق هذه الكتابة من فكرة عمل مستقبلي نشره المفكر الفرنسي، ومستشار المعرض، جاك أتالي عام 2006، ويحمل عنواناً قريباً من عنوان المعرض "تاريخ موجز للمستقبل".
كانت فكرة أتالي الرئيسية تتمثل في القول إن توقّع المستقبل انعكاس لفهم الماضي، حيث إن الفكر يمكن أن يتخيّل المتشابه بين ما يعيشه، أو عرف أنه حصل، وبين ما يمكن أن يكون. الفكرة بسيطة، ولذلك فإن مقاربتها في شكل معرض ليس أمراً عسيراً.
الفارق الوحيد هو دخول معطى جديد إلى المعادلة، هو تاريخ الفن، ومن خلاله نتساءل: كيف نكتب التاريخ؟ ومن ثم، كيف نتوقّع المستقبل؟ السؤالان يمكن أن يُختزلا في سؤال واحد: هل أننا حين نقدّم عرضاً معيناً للتاريخ، نكون قد وضعنا توقعاً جاهزاً للمستقبل؟
يأتي المعرض بمجموعة موسّعة من القطع الفنية (منحوتات ولوحات ونقوش وغيرها) معظمها من مقتنيات اللوفر، وأخرى استعارها من متاحف عالمية أخرى لإكمال فكرة المعرض.
إن وجود أعمال من بلاد الرافدين ومصر القديمة والحضارات الأفريقية أو الأميركية ما قبل الكولومبية، إضافة إلى أعمال معاصرة من الصين والكونغو وألمانيا وغيرها، هي عماد كتابة تاريخ العالم أو تجسيده كما هو معروض.
هنا، يضعنا اللوفر أمام سطوته، فهذا التجميع في حد ذاته تعبير عن سلطة حضارية. لا تقف هذه السطوة هنا، بل تتعدّاها في مقاربة التاريخ والحوار السرّي الناشئ بين الأعمال المعروضة متجاورةً رغم تباعداتها التاريخية أو المكانية، حيث يخدم كل شيء الوصول إلى فكرة ما في عمل أتالي (الردهات تحمل أسماء فصول كتابه).
يدعو الكتالوغ التقديمي للمعرض، والذي نجد فيه مخطّطاً لـ"مسار"، إلى الالتفات إلى لحظات الانتقال التاريخي وتشابهاتها. بهذه الرؤية المسبقة، لن يستغرب المتلقّي، بعد ذلك، وجود عمل معاصر ضمن مجموعات فن قديم، ما يثير أسئلة معينة ستكون إجاباتها هي ما يطمح المعرض لقوله (أي أفكار أتالي).
هنا نحيل إلى شيء مما يقال عن هذا المفكر في الأوساط الثقافية، حيث يهاجَم منذ 2008 كون الأزمة الاقتصادية الأخيرة (مجال اختصاصه) مرّت بعيداً عن توقعاته، ما جعل بعض المنتقدين يصفونه بأحد "دجّالي النخبة الفرنسية"، وهو ما أحال وقتها إلى جدل حول مفكري المستقبليات عموماً في الغرب وجدوى ما يقدمونه.
في هذا السياق، يبدو هذا المعرض إعادة اعتبار له أو ما يشبه التكريم من اللوفر. لكن هل أن التكريم الفني يُصلح ما أفسدته هفوات العلم؟
لعل شيئاً من الإجابة نجده في ما كتبه الصحافي الفرنسي ديدييه ريكنر: "هذا المعرض مثله مثل أعمال أتالي، مزيج من العناصر الجميلة، يربطها نثر بلا معنى. لا أحد يفهم شيئاً، ولكن كل قارئ يوهم البقية بأنه وجد فيه أشياء مهمة".
اقرأ أيضاً: كوابيس ريفكين