عن دار "فضاءات" في عمّان، صدر مؤخراً كتاب "السرد والدلالة" للباحث المغربي عبد الرحمن التمارة، عمل يشير مؤلفه أنه "يبحث في إشكاليات إبستمولوجية ومنهجية ترتبط بتأويل النصّ الروائي، والتي يمكن إرجاعها إلى إشكال مركزي يتعلّق بمعضلة التناهي: هل التأويل مطالَبٌ بالوقوف عند حدود معيّنة للدلالة؟ أم أن التأويل سيرورة لا متناهية؟ أسئلة حاولت رسم حدودها وإضاءة إشكالاتها بالبحث في المرجعيات اللسانية والأدبية والنظرية لمفاهيم الدلالة والنص والتأويل".
يضيف التمارة في حديثه لـ"العربي الجديد": "عَملْتُ أيضاً على دعم المقترح النظري بتأويل مرجعيات نصوص روائية متنوّعة. لهذا، انبنت هذه الدراسة النقدية على التأويل، باعتباره آلية منهجية تمكّن من قراءة النص الروائي وتحليل مرجعيته النصيّة، لأجل اقتراح "دلالات" على العالم المسرود في الرواية، وليس البحث عنها داخله بوصفها دلالات ثابتة".
يستند التمارة في عمله على نصوص روائية لكتّاب مغاربة بالأساس، هم: عبد الكريم غلّاب، ومحمد عزالدين التازي، وأحمد الكبيري، وزهرة المنصوري، ومحمد أمنصور، ومصطفى لغتيري، وعبد السلام فيزازي، ومحمد الأشعري، ومصطفى آدمين، وعبد العزيز الراشدي، كما تحضر نصوص كتّاب عرب مثل نجيب محفوظ، وعبد الله خليفة، وحسونة المصباحي، وهي نصوص في غالبها حديثة زمنياً فمعظمها نُشر في القرن الحالي.
عن واقع البحوث النظرية حول الأدب في العالم العربي اليوم، يقول التمارة: "يمكن الإجابة، خارج منطق الإشادة الزائدة أو التسفيه المجاني، بالقول إن طموح الخطاب النقدي النظري يفرض الالتزام بضوابط إبستمولوجية تمنحه المشروعية، وتعطيه القوة المعرفية. لهذا، فإنّ الانشغال النقدي بقضايا "نظرية" يجب أن يلتزم بالأفق المعرفي الإنتاجي؛ سواء كان سياق الدراسة النظرية بحثاً أكاديمياً، أم كان بحثاً ذاتياً خالصاً متولّداً من انشغالات الناقد واهتماماته البحثية المؤطّرة ضمن مشروع علمي ذاتي، لكنه لا يخلو من فائدة علمية وبيداغوجية".
يتابع: "النتيجة أنه توجد بحوث نظرية حول الأدب، في المشهد النقدي العربي، مؤسسة نقدياً على تصوّر نظري تحليلي دقيق، ومؤطرة بضوابط إبستمولوجية ملزمة للباحث نَظيرَ انتمائه إلى مؤسسة أكاديمية (الجامعات، ومراكز البحث). إن هذا، لا يعدم بعض الدراسات النقدية النظرية التي صاغها النقاد برؤية ثقافية خاصة وبمنطلقات إيديولوجية، وهناك دراسات أخرى طغت عليها "العشوائية" المعرفية بحكم عدمِ تمكّن الناقد من وعي المرجع المعرفي الأصلي، أو سوء استثماره. غير أنّ هذه الدراسات لا تخلو من فائدة معرفية وثقافية، على الأقل تدفع للتفكير في تجاوزها وعدم إنجاز مثلها، فضلاً عن كونها دراسات تستدعي تقويمها بمنظور الوعي السياقي بقضاياها النقدية النظرية، لتجاوز الحكم عليها بالسلب المطلق أو الإيجاب المطلق، وبالتالي تقويمها بموضوعية ضمن هذا الوعي".