ربّما لم تتضح أهمية الأفكار والتأسيس المعرفيّ للمستقبل أكثر من اتضاحها في سياق الانتفاضات المغدورة للشعوب العربية، وعلى رأسها انتفاضة 25 يناير المصرية.
بعد عقود من التدمير الداخلي للبنى الثقافية والمعرفية، ومثلها من تفكيك البنى السياسية المدنيّة وتحويل الشعوب إلى مجاميع متناحرة؛ ربّما كان من المستحيل أن تقدّم الانتفاضات بدائل ناضجة.
وإن كانت الأنظمة قد عملت طوال سنين استلامها "السلطة" على تهميش الثقافة، وإفراغها من مضمونها، وتحويل "المثقف" إلى متسوّل ينتظر الدعم والاعتراف والترسيم، ويحتفل بالفتات؛ فإن ظاهرة أخرى برزت توضّح حجم التشوّه الذي أصاب هذا الجسم، متمثّلاً بالانتهازية وازدواجية المعايير والكذب الصريح حين تعلّق الأمر بدعم الكثير من "المثقفين" لحملة نظام الأسد على الشعب السوري ومسيراته السلمية بداية الأحداث، ومن ثم التحوّل إلى دعمه الكامل، والتراجع بأثر رجعي عن دعم انتفاضات الشعوب وتحرّكها باتجاه الحرية؛ وهم أنفسهم من كانوا يعيبون على الشعوب خنوعها واستسلامها للأمر الواقع، ويسبّحون صباح مساء بهجائيات لا تنتهي حول بؤس النظام الرسمي العربي وتبعيته.
25 يناير تؤشر إلى بؤس واقعنا الثقافي والمعرفي عندما لم تجد الجماهير المنتفضة مقترحات فكرية لبناء المستقبل، وبؤس مثقفنا وتمسّكه بدور البوق والتابع، وخوفه من مستقبل لا يستطيع أن يشارك في صناعته.
* كاتب من الأردن