عقدت "جمعية الثقافة العربية" في حيفا أمس، ندوة بعنوان "عزمي بشارة المفكّر والمثقّف السياسي"، ناقش فيها الكاتب والناقد أنطوان شلحت والكاتب والأكاديمي محمود محارب كتاب "في نفي المنفى.. حوار مع عزمي بشارة" الذي صدر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" مؤخراً للمؤلّف صقر أبو فخر.
حول ما يمكن اعتباره "ضوابط" أو مرجعيات، وفق تعبير شلحت، ناقش المحاضر المرجعيات عند بشارة، بالنظر إلى تعدّد وغنى مساهماته كمثقّف يقرأ الواقع وينقده. وفي طليعة هذه الضوابط، - يكمل شلحت - "عدم جواز التخلّي عن النواة الأخلاقية الرئيسة"، فلدى الوقوف على سيرة بشارة الشخصية والفكرية، "لا يستصعب المرء العثور على جبل من القرائن الدالّة على تمسكّه بهذه النواة، بالرغم من تخلّيه- كما يعترف- عن كثير من الأفكار التي يجب أن يتخلّى عنها الإنسان حين تبرهن التجربة أنها خاطئة، بموازاة تأكيده أنه لم يتخلّ ولا يمكن أن يتخلّى عن القيم والمبادئ".
ولفت الباحث إلى ما يراه بشارة من أن مشكلة الأخلاق من المشكلات الأساسية والملحّة اليوم في المجتمع العربي، وتوكيده على أن تهميش المعايير الأخلاقية في التعامل، وعدم وضوح المنظومة الأخلاقية للمجتمع العربي هو الكارثة، وأنه بات أكثر قناعةً بأن أهمّ ما يجب أن نعمل عليه في الفلسفة هو علم الأخلاق.
ركّز المتحدّث على مرحلتين من سيرة بشارة؛ الأولى هي مرحلة النضال الطالبيّ في المدرسة الثانوية والجامعة التي شهدت ولادة "اللجنة القطرية للطلبة الثانويين العرب"، (تعتبر أول تنظيم للفلسطينيين في الداخل على أساس قومي) وانتهت بالسفر لاستكمال الدراسة الأكاديمية في ألمانيا الشرقية حيث اصطدم بواقع المعسكر الاشتراكي، وبوجود فجوة كبيرة بين النظرية والواقع، واكتشف كيف تتحوّل النظرية إلى أداة تبريرية، أو إلى أيديولوجيا في خدمة السلطة.
أمّا المرحلة الثانية، بحسب شلحت، فهي تأسيس "حزب التجمّع الوطني الديمقراطي" الذي جاء بخطاب سياسي وفكري جديد يتعلّق بكينونة الفلسطينيين في الداخل مشتقّ من التطوّرات الموضوعية ومدلولاتها. وأكد شلحت، أنه بقدر ما شكّل هذا الخطاب سوراً منيعاً لحماية هوية هؤلاء الفلسطينيين من احتمال انهيار لاح في إثر اتفاق أوسلو، بقدر ما كان المشروع الأكثر جرأة وتماسكاً في سياق تحدّي المشروع الصهيوني ومؤسسات دولة الاحتلال.
ختم شلحت بأن "بشارة كان متميّزاً في السياسة لكونه جاء إليها من صلة حقيقية مع الثقافة والفكر من جهة، ومع الحياة والمجتمع من جهة أخرى".
بدوره، قال الأكاديمي محمود محارب إن "أهمية كتاب أبو فخر، أنه تناول عصارة تجربة بشارة المتشعّبة، وإنتاجه ونشاطه في مختلف الميادين الفكرية والنضالية البحثية والسياسية. وتابع: "الكتاب يشكّل مرجعاً مهمّاً للقضايا الأساسية التي تهم وتشغل فكر الإنسان في الوطن العربي عموماً وفي فلسطين خصوصاً".
واعتبر محارب، أن "الأرضية التي ينطلق بشارة منها في فكره ومواقفه كما يظهر جلياً في فصول الكتاب، تمسكّه الثابت بالأخلاق وبالقيم الإنسانية العليا وفي مقدّمتها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. فالموضوعية عنده هي انحياز للحقيقة وللقيم الإنسانية العليا وفي أولها الحرية".
وتطرّق محارب إلى نشأة صاحب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، وقال إن "بشارة نشأ في بيئة وطنية يسارية وانخرط منذ صغره في النضال السياسي".
يظهر في الكتاب/الحوار، بحسب محارب، أن بشارة لم ينتقل من اليسار إلى القومية العربية التي احتلّت حيّزاً مهماً من إنتاجه الفكري واهتمامه السياسي. فقد شرع يطوّر أفكاره بشأن القومية العربية في الفصل الأخير من كتابه "المجتمع المدني: مساهمة نقدية" الذي نشره سنة 1996. ثمّ، وفي كتابيه "المسألة العربية" و"أن تكون عربياً في أيامنا"، طوّر أفكاره حول القومية العربية. وأسس فيهما مفهوم بناء الأمة على المواطنة وبناء القومية على الثقافة واللغة".