رغم التطوّرات الهائلة التي شهدتها العلوم اللغوية واللسانيات في العقود الأخيرة، إلا أنها ظلّت جميعاً تمثّل امتداداً لنقطة البداية التي رسمها عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسور (1857 - 1913). غير أن الأخير لم يكتب أهم أعماله "دروس اللسانيات العامة"، بل إن تلاميذه هم من دوّنوها أثناء الدراسة عنده، ثم نُشر العمل بعد وفاته.
لم يُثر أحد هذه المسألة، حتى أصدر الكاتب الفرنسي لويك دوبيكير كتاباً في 2009 بعنوان "فهم دي سوسور"، وهو العمل الذي أقدمت على ترجمته الباحثة اللبنانية في علوم اللغة ريما بركة، وصدر مؤخّراً عن "المنظّمة العربية للترجمة".
يعود دوبيكير إلى مخطوطات دي سوسور باعتبارها المرجع الذي يمكن الاحتكام إليه للحكم في فرضية أن من قام بنشر كتاباته يمكن أن يكون قد غيّر بعض الأشياء، إلا أن ملاحظته المركزية تتعلّق بما هو أبعد من ذلك، إذ يعود إلى مرحلة كتابة الدروس التي كان دو سوسور يلقيها، أي أن العمل يحاول أن يقارن بين ما كتبه المفكر السويسري وما فهمه تلاميذه عنه.
يتحدّث دوبيكير عمّا يمكن أن تفضي إليه تغييرات تبدو طفيفة بين فكرة وأخرى على مسارات تطوّر العلوم اللغوية، في مقدّمة عنونها بـ "سوسور آخر". وينقسم الكتاب إلى ستة أجزاء، يقيم كل واحد منها مقارنة بين المخطوط والمنشور حول فكرة معينة مثل "كل ما في اللغة حكاية" و"اللغة نظام قيم قبل كل شيء" و"الحقيقة الاجتماعية في اللغة".
يُعتبر دوبيكير من بين أهم اللغويين المعاصرين، خصوصاً لطرافة المواضيع التي يدرسها، مثل التي ظهرت في كتابه "اختراع اللغة" (2001)؛ حيث يدرس خصائص الكلمات الجديدة التي تدخل معاجم اللغة الفرنسية. ولعل عمله حول دي سوسور لا يخلو من هذه الطرافة.
اقرأ أيضاً: "الاقتصاد والمجتمع" لـ ماكس فيبر: ترجمة متأخرة