لم يطرح كثيرون مسألة تدريس "تاريخ الفن الفلسطيني"، وكيف يمكن أن يوضع هذا التاريخ في سياق أكاديمي مبني على معرفة عميقة بتعقيدات هذا التاريخ، حيث لا بد من مراعاة عوامل مختلفة على رأسها ارتباط الفن بالتاريخ السياسي لفلسطين والمنطقة.
كذلك لا بد أن يُدرس الفن الفلسطيني في المنفى واللجوء والشتات، إلى جانب مدارسه وتجاربه الأبرز ومؤثراته، والفرق بين الفن الفلسطيني في الداخل وفي المنطقة العربية والشتات الأوروبي واللاتيني والأميركي. إنها مسألة معقدة حقاً ولا يمكن إلا أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار عند التفكير في تدريسه ضمن مساق أو ورشة عمل أو سياق أكاديمي في إحدى الجامعات.
في هذا السياق، تقدّم الباحثة روبيرتا مارين محاولة ضمن ورشة بعنوان "تاريخ الفن الفلسطيني" تنطلق في "المركز العربي البريطاني" في لندن عند السادسة من مساء غدٍ الخميس وتتواصل حتى 28 من الشهر الجاري.
لكن من يتأمّل في برنامج المحاضرات ومواضيعها، يجد أنه لا يخلو من عشوائية وتخبط، كما لا يمكن إلا أن نسأل: كيف يمكن لهذه التجارب (على أهميتها) التي تنوي الباحثة مقاربتها أن تقدم فعلاً تصوراً عن الفن الفلسطيني؟ وما هي معايير اختيار هذه الأسماء القليلة بالذات؟
ليس هذا فقط، بل إن المحاضرة تتجاهل أبرز تجربة في تأريخ وتوثيق الفن الفلسطيني؛ وهي تجربة الفنان الراحل كمال بلاطة (1942 - 2019) الذي كان أول من تتبع ورصد هذا الفن على نحو ممنهج في كتابه "الفن الفلسطيني من 1850 حتى 2005"، والذي وضع دراسة أيضاً بعنوان "استحضار المكان - دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر".
يبدو من برنامج المحاضرات، أن الباحثة تقسم اعتباطياً خياراتها تبعاً لمعيارين زماني ومكاني؛ تطبق الأول تارة والثاني تارة أُخرى بلا ضوابط. في الأول تختار تجارب الرواد نيكولا صايغ (1863 - 1942)، وخليل حلبي (1889 - 1964)، ونهيل بشارة (1919 - 1997)، وجوليانا سيرافيم (1934 - 2005).
وفي محاضرة أخرى تطبق المعيار المكاني؛ فتدرس فناني الشتات، وتقصر خياراتها على تجارب الفنانات النساء في الشتات الغربي، أي أنها تستثني الفنانين وتتجاهل كذلك الشتات العربي من فنانين وفنانات فلسطينيين في لبنان وسورية والأردن وغيرها، فتقدّم فقط سامية حلبي (1936)، وليلى الشوا (1940)، ومنى حاطوم (1952)، وإميلي جاسر (1972).
وفي باب "فنانون عاشوا ويعيشون في فلسطين"، تختار إسماعيل شموط (1930 - 2006) وقد عاش في عدة مدن عربية وأجنبية ولم يبق في فلسطين؛ إذ تنقل بين بيروت وكولن وعمان وغيرها، إلى جانب تجربتي سليمان منصور (1947)، وعامر الشوملي (1981).
أما المحاضرة الأخيرة التي تقدمها مارين، فتناقش محاور الفن والسياسة والتعليم، وفن الشارع، وافتتاح المتاحف وصالات عرض جديدة في فلسطين، وتجربة المتحف الفلسطيني، ومعارض الفن الفلسطيني خارج فلسطين.
البرنامج الذي تطرحه مارين، يدعو إلى القول إن ليس أي مهتم بالفن الفلسطيني قادر على ارتجال منهج يعتقد لأسباب شخصية وغير أكاديمية ولا موضوعية أنه يقدم تصوراً عن تاريخ هذا الفن. نعم من الجيد أن تقدم هذه المبادرات، لكن من الضروري أن يجري التشاور حولها مع فنانين فلسطيين وأكاديميين متخصصين في هذا السياق قبل الشروع في نقله إلى الآخرين كمدخل تعليمي.