يمكن اعتبار "الرحلة إلى الشرق" نوعاً أدبياً قائماً بذاته ساد في أوروبا منذ القرن السابع عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر، غير أن المتأخر منه حمل تصوّرات أكثر واقعية من تلك الكتابات المبكرة التي هيمن عليها الاستشراق والغرابة ونقلت صورة عن الشرق مبالغ فيها.
وما بين الشرق البعيد وشرقنا، تنوّعت تجارب الرحالة والمستكشفين، وربما يُعد كتاب "رحلة إلى الهند والخليج العربي عبر مصر والبحر الأحمر" للدبلوماسي والرحالة الفرنسي فيكتور فونتانيي أهمها، وقد صدر بترجمة جديدة في ثلاثة أجزاء عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت، أنجزها محمد المرزوقي سعيد، وكان العمل قد صدر قبل سنوات بترجمة محمد سعيد الخلادي وفريد الزاهي.
بدأ الرحالة الفرنسي فيكتور فونتانيي (1796 - 1857) حياته المهنية كصيدلي، دخل المدرسة العليا في باريس، لكنه تركها والتحق بمدرسة العلوم الطبيعية.
وفي السنوات 1822 - 1829 سافر إلى الشرق في مهمة من الحكومة الفرنسية؛ كان الهدف منها هو استكشاف منطقة البحر الأسود والمقاطعات الآسيوية للإمبراطورية العثمانية، وهكذا شغل فونتانيي منصب ملحق بالسفارة الفرنسية في القسطنطينية.
انطلاقًا من القسطنطينية، زار فونتانيي المقاطعات الروسية في القوقاز، وقام بجولة في بحر قزوين ووصل إلى بلاد فارس وإلى بغداد وأبحر في نهر دجلة إلى البصرة. وسافر إلى جورجيا، ثم عاد إلى القسطنطينية عبر البحر الأسود، وقبل العودة إلى فرنسا، زار أيضاً جزر بحر إيجه في خضم حرب الاستقلال اليونانية.
وخلال جولته في المدن الرئيسية في تركيا الآسيوية، جمع معلومات كبيرة من البيانات الجغرافية والجيولوجية، فضلاً عن معلومات قيمة عن ثقافة الأماكن التي زارها.
لم تتوقّف رحلات فونتانيي عند هذا الحد، فقد جاء مرة أخرى إلى الشرق في مهمة جديدة في الخليج، وقد وصل إليه من القاهرة عبر البحر الأحمر، فزار جدة وتنقل في الجزيرة العربية حتى وصل إلى مسقط وغادر بحراً إلى بومباي.
مر الرحالة خلال أسفاره بعشرات المدن، وكتب في عمله الكثير من التفاصيل التي لم تقتصر على البيئة والطبيعة بل وصف المجتمعات وقيمها وطباع الناس فيها وعاداتها وتقاليدها، إلى جانب تدوينه انطباعاته الشخصية عنها.