400 عام على وفاة الكاتب الإسباني ميغيل دي ثربانتس (1547 - 1616)، ولم يُؤكَّد حتَّى الآن إن كان الهيكل العظمي الذي عُثِرَ عليه أخيراً هو له أم لا، رغم ترجيح علماء الآثار هذا الاحتمال، من دون إجراء تحليل الدي إن أي، ما يدعو للظن أن ذلك التسرع في الإعلان عن النتيجة يعود إلى أسباب سياحية تزامناً مع مئويته الرابعة.
وليس غريباً كل هذا الاهتمام بمن كان يوماً جابي ضرائب، لكنَّ الأدب يدين له بأبوة الرواية الحديثة؛ إذ منح الكلام لشخصياته عن الأحداث التي جرت بدلاً من سردها من الخارج، كما رسم في عمله حبكةً مُحكمة تتعلَّق بمغامرات دون كيخوته وتابعه سانشو بانسو، اللذيْن ينتميان إلى طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، لكلٍّ منهما وجهة نظر مختلفة عن العالم، على حدِّ قول الباحث جان كانافاغيو.
بدأت رواية دون كيخوته تحظى بالتقدير في القرن السابع عشر، من دون التعامل مع ثربانتس على أنّه كاتبٌ كبير. تُرجمت الرواية إلى أكثر لغات العالم، ويعتقد كانافاغيو أنها كانت ترمز قليلا إلى إسبانيا آنذاك: "يقال إنَّ دون كيخوته هو تجسيد لإسبانيا، وهو الشخصية التي تمثِّل انحطاط إسبانيا البعيدة عن الحداثة.
تغيَّرت الأمور في القرن الثامن عشر، إذ أدرك الناس أن ثمّة أمراً جديداً في الشخصية ومغامراتها، يُقال أيضاً إننا دون كيخوتات، لكنَّنا لا نجرؤ على اتخاذ الخطوة التي اتَّخذَها دون كيخوته في تشكيل العالم".
كانت الرواية بمثابة ثورة في عالم الأدب، بل إنَّ الألمان اعتبروها إنجيل الإنسانية. فيما يؤكِّد كانافاغيو أنَّ طبيعة معرفة ذلك العمل تنقسم إلى جزأين: معرفة قرّائها لها ـ وهم كثر ـ وأولئك الذين سمعوا عنها، خصوصا الجزء المتعلِّق بطواحين الهواء.
لكنَّ ثربانتس لم يتخيَّل أنّ تلك الطواحين ستكون البطل الرئيسي في القصة، وأنَّها ستتحوَل إلى أسطورة، بل رسم شخصية مرئية هزلية في البداية لا تلبث أن تتحوَّلَ إلى فارس مثالي ومُصلِح. تلك الصفات ستؤثِّرُ على مصيرها، فإذ تثير الضحك، بسبب أفكارها القديمة، إلَّا أنَّها تثير الإعجاب بسبب تمسُّكها بالمبادئ أكثر من حرصها على النجاح، لتتحوَّلَ في ما بعد إلى أيقونة في السينما والفن والكوميديا.
رُبَّما من المستحيل تبنِّي شخصيَّة دون كيخوته، بسبب طبيعتها الطوباوية، رغم إعجابنا بها، لكنَّنا قد نتمكَّن من توظيف الفكرة لأسباب إنسانية، وهذا ما فعلته جمعيَّة "أطفال دون كيخوته" عام 2006، حين أطلقت على نفسها هذا الاسم، ونصبت خِيَما بجانب قناة سان مارتين، في إشارةٍ إلى الأشخاص الذين لا مأوى لهم، واتخذت شعار: "نكافح في المعركة ذاتها، ضد الفقر، وضد البؤس".