بداية هادئة لـ"معرض القاهرة الدولي للكتاب" هذا العام، والذي افتتحت دورته الـ47 قبل أيام. الإقبال يبدو ضعيفاً حتى في أيام العطلات الرسمية، والأسباب هي ذاتها ككل عام: غلاء أسعار معظم الكتب الصادرة حديثاً، خصوصاً مع انهيار سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، إضافة إلى الأجواء الباردة التي تلفّ القاهرة هذه الفترة.
ليس جديداً القول إن الزخم في معرض القاهرة بات يجد تصاريفه في أنشطة أخرى هامشية مقارنة بأهدافه الرئيسية: تحريك سوق النشر، وتجديد فعل القراءة، وإحداث جدل ثقافي وفكري يرتبط براهن مصر والمنطقة. الفعاليات المصاحبة المتنوّعة تتفاوت في حجم الإقبال عليها، وإذ تفوز ورش الأطفال والعروض الموسيقية بالنصيب الأكبر، يضعف حضور الجمهور في الندوات الثقافية ومناقشات الكتب، والتي من المفترض أنها الجناح الثاني لحركة بيع وشراء الكتب، الأمر الذي يطرح تساؤلاً جاداً ومتكرراً حول مصير هذه الفعاليات: لمن تُقام؟ وكيف يتم اختيار موضوعاتها؟ ومن يختار؟ وعلى أي أساس؟
هذه السنة، ترفع الدولة شعار "الثقافة في المواجهة" كلافتة كبرى تظلل ندوات المعرض الفكرية والثقافية، ما يضع "الهيئة العامة للكتاب" المنظمة للمعرض أمام اختبار حقيقي حول استقلاليتها المفترضة، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية للدولة أغلقت نهاية العام المنصرم عدداً من المنابر الثقافية والفنية كمؤسسة "تاون هاوس" ومسرح "روابط"، إلى جانب مداهماتها لأماكن أخرى، مثل دار "ميريت" للنشر و"مركز الصورة المعاصرة".
من جهة أخرى، استحدث المعرض محور "ذاكرة المعرض"، وهو خيمة تعرض فيها يومياً أهم الندوات والمناظرات، التي عُقدت في سنوات المعرض السابقة، لكن الإقبال الضعيف عليها يثير الأسى، لا سيما وأن هذه الندوات كانت تشهد زمن إقامتها، ما قبل عام 2000، حضوراً كثيفاً ونقاشاً جريئاً، ليس أقله مناظرة المفكّر فرج فودة مع الشيخ الغزالي، قبل أن تتحوّل شعارات المعارض، مع السنوات، إلى عناوين فارغة مرتبطة بنزعة أمنية أكثر من ثقافية.
في سياق الزخم الغائب ذاته، لا أسماء كبيرة هذا العام في معرض القاهرة، هنالك التونسي شكري المبخوت الحاصل على البوكر العام الماضي عن أول أعماله الروائية، حيث ينشط أكاديمياً بالأساس، إلى جوار المغربي أحمد المديني، والفرنسي كارلو روفايللي.
فيما يخص النشر، تبدو الروايات من النظرة الأولى صاحبة النصيب الأكبر في تصدّر واجهة العرض في معرض هذا العام، وإن بدا أن هناك نزوعاً لدى الناشرين للاهتمام بالأعمال المترجمة عن لغات أخرى. على سبيل المثال تصدر "دار الكرمة" رواية "صونيتشكا" للروسية لودميلا أوليتسكايا، وتعد أول أعمالها المترجمة للعربية، فيما تخوض "دار صفصافة" رهانها الأساس على الأعمال المترجمة كرواية "بين الرجال" للأيرلندي ميهيل أوكونيل، من ترجمة الشاعر المصري عبد الرحيم يوسف، كذلك مجموعتين قصصيتين عن الإسبانية والسلوفينية، إلى جانب مجموعة مترجمة من الأعمال الفكرية، من بينها كتاب "العنصر المشترك بين البشر" للمفكر اليساري الإيطالي أنطونيو نيجري. وتحضر "دار الجمل" بعديد من العناوين المترجمة، من بينها الرواية التي صاحب ظهورها في العربية زخماً كبيراً وهي "فيرديدوركه" لفيتولد غومبروفيتش.
فيما تحضر "الكتب خان" بعدد من الأعمال اللافتة، مثل "هنا والآن، رسائل بين بول أوستر وج. م. كويتزي"، من ترجمة الشاعر والروائي المصري أحمد شافعي، كذلك كتاب "إدوارد سعيد، حوارات مع طارق علي"، من ترجمة أحمد عثمان، أخيراً ترجمة لأحد النصوص البارزة للفيلسوف الألماني فالتر بنيماين بعنوان "عن الحشيش"، ومن ترجمة سماح جعفر.
إلى جوار ذلك، صدرت بعض العناوين المهمة واللافتة الأخرى، حيث تقدم "دار المتوسط" في أغلفة بسيطة وجذابة أعمالاً متنوعة وجاذبة، منها مثلاً الأعمال الكاملة للشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين، إلى جانب كتاب يجمع بعض مقالات ودراسات الفيلسوف تزفيتان تودوروف، تحت عنوان "نحو رؤية جديدة لحوار الحضارات"، بترجمة وتحرير وتقديم محمد الجرطي، إضافة إلى رواية جديدة للعراقي علي بدر بعنوان "عازف الغيوم"، والذي تقيم له الدار حفلاً لتوقيع أعماله بجناحها في المعرض. كما صدرت عن سلسلة الجوائز عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" سيرة ذاتية للشاعر الأميركي الأشهر "تشارلز سيميك"، تحت عنوان "المسخ يعشق متاهته"، كذلك مجموعة قصصية للأميركية ليديا ديفيس، من ترجمة الشاعرة المصرية آية نبيه.
بعيداً عن كل ذلك وقريباً منه في ذات الوقت، يبقى سؤال حول قدرة المعرض على تحريك، ليس فقط سوق النشر في مصر لجهة تطوير الصناعة وإمكانياتها وجدّة ما تقدمه دور النشر، إنما كذلك وبالأساس في تدوير الأفكار القارّة في المجتمع وتحويل القراءة من فعل روتيني اعتيادي لقراءة منتجة وفاعلة، فالحديث عن أزمات في سوق النشر باتت محصورة في غياب الدعم الحكومي للدور الصغيرة والمستقلة أو في أعمال القرصنة وتزوير الكتب في نسخ رديئة وبأسعار أرخص، لكن مع معرفة أن عدداً ضخماً من الناشرين المصريين يشارك في هذه الدورة بما يقارب الـ550 ناشراً، وحصر الدور المهمة على أصابع اليدين فقط، تبقى النكتة الحاضرة في أجواء المعرض، والتي تشير إلى تحوّل زوار المعرض جميعهم لكتّاب، بحيث بات العثور على قارئ في طرقاته اكتشافا مثيراً، صحيحة ولاذعة.
اقرأ أيضاً: مصر 2015: الحرب على الثقافة لا الإرهاب