سأسيرُ هادئاً في التاريخ

07 يناير 2018
(نيكيفوروس فريتاكوس)
+ الخط -

الشِّعر

قَبْلَ أنْ يُكْتَب، يكونُ الشِعرُ كَلِمات.
ثمّ تُصْبِحُ كَلِماتُه غُيوماً،
أَلْواناً، نوراً، مَدَّ وجَزْرَ نُجومٍ
أَنْهارَ أعْلامٍ، آلاتٍ، مَنافِضَ،
جمهوراً يَصْعَدُ أو يَنْزِلُ،
سقالاتٍ في الأُفق.
وكُلُّ هذه، فَكِّروا، قَبْلَ أنْ تَصيرَ ما هي عَليهِ
في الشِّعر كانتْ كَلِمات.
(التُراب الذي يَصيرُ زَهرةً وشَجَرة).


■ ■ ■


تَفاؤل

الظَلامُ أَعْمَقُ مِنَ النور، يَسْتَقِرُّ
على سُفوحِ الهاوِيات الوَعِرة التي أرْتَقيها
لأسْلُكَ من هُناكَ دَرْبي المُسْتَقيمَ في الزَمَن.
(مُحاطاً بِنورٍ لا يُحَلَّلُ
مَليئاً بِوَدائعَ سَماويّةٍ لا تُفَسَّرُ
أَثِقُ بأنّني إذْ أعْبُرُ أَخيراً
هذه الجِبالَ القاسيةَ المُتَجَدِّدة
سَأسيرُ هادِئاً في التاريخ).


■ ■ ■


صَفاء الصباح

أَعْرِفُ ذلك. هذه اللَحْظةَ يُعِدّون
فِراشي في الأثير. أخالُني أراه،
يُبَدِّلُ ألْوانَهُ، يَسْبَحُ هنا
وهناك موسيقيّاً، يَنْخَفِضُ في مَكانٍ آخَر
موشِكاً على مُلامَسةِ شُموسِ "آرل"
ثمّ مُرْتَفِعاً لِيُقارِبَ رؤوسَ التَنّوب
على الجِبالِ التي أحْبَبْتُ وأَسْمَعُ أصْواتاً:

اسْتَرِحْ يا شاعِرُ في العالَمِ
الجَميلِ الذي اسْتَحْسَنْتَ أنْ تولَدَ فيه
الذي يَبْدو أَنَّ فيهِ ما يَرْبو على أشْياء وأشْكال

يَظْهَرُ وَكَأنَّهُ الكَلِمةُ الأبَديّة.


■ ■ ■


ارتقاء

أشْكُرُ سَقالةَ جُروحي العَظيمةَ
التي وَطِئْتُها وارتَقَيْتُها، ورَأيْتُ العالَم
فَدَوَّنْتُ المَنْظَرَ العَجيب
على الوَرَق، بَلْ أقولُ بِالأحْرى،
يا أرْضُ، إنّي أسْعَدُ كائن
عاشَ على وَجْهِك. لَقَد غَمَرَني النور
وأخْفاني، حَتّى لم يَعُدْ لي من ظِلٍّ
كَما لِكُلِّ الأجْساد والأشْياء.

تَأْتي أحْيانٌ أشْعُرُ فيها
بِأنّي أقَلُّ ثِقلاً على تُرابِك
من نورِ الشَفَقِ على الصَخْرة.


■ ■ ■


تَحَوّل

حَقيبتي ومِلْكي، كُلُّ ما لي
تَقْريباً، عِنْدَما جِئْتُ إلى العالم
كان حَفْنةَ ظَلام. ما كان لي شَيءٌ عَداها.
كُلَّ ما أُعْطيْتُه. لو صِرْتُ موسيقيّاً
لَكان عَلَيَّ فَقَط أنْ أُبْدِعَ نَغْماتي.
ولَوْحاتي لو صِرْتُ مُصَوِّراً.
وأَرْقامي المُفيدةَ لو صِرْتُ حَكيماً. لَكِنَّ الغَريبَ قَد حَصَل.

أصْنَعُ بِكُلِّ ميليغرام ظَلام
ضَمّة من زَهْر المارغاريتا.


■ ■ ■


إنْسانٌ يَوْميّ

هذا الإنْسانُ اليوميّ (القصير
والمُهمَل) الذي أعْطَيتُهُ ماءً
وأرشَدْتُهُ إلى الطَريق، الذي ليس
له على وجه الأرض غرفةً من مِتْرَين مُرَبَّعَين،
قد لا يَتَّسِعُ لهُ الكون.


■ ■ ■


الهويّة

لي على وَجْهِ الأَرْضِ هويّتي
ليس لأنّ لي جسدي الخاصّ
بوجهه، ويَدَيْهِ، وقلبه، لكن
لأنّ لي في جَسَدي
نهراً ليس لي، وعَلَيّ
أن أكون حاضِراً، أن أجيء
عندما تَطْلُعُ الشَمْس وعندما تَغْرُب
وأنْ أُوَقِّعَ بوضوح: نيكيفوروس.

بَعْدَها أَقِفُ قبالةَ
الكونِ، حاسِراً ووَرِعاً،
وأراهُ يَصيرُ كُلُّهُ وَجْهاً
مُسْتَديراً، شَفّافاً، بَشَريّاً.


* شاعر يوناني من مواليد قرية كروكيس قرب إسبارطة عام 1912، ورحل فيها عام 1991.
** ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا

المساهمون