جمع وحرّر الأنطولوجيا كل من عائشة السيفية وأسماء القطيبية من "مختبر الشعر"، وترجم نصوصها إلى لغة غوته كل من السودانية إشراقة مصطفى والنمساوي كورت ف. سفاتيك، اللذين يقيم كلاهما في فيينا.
وعلمت "العربي الجديد" من القيمين على "بيت الزبير"، أنه لم يتم التنسيق مع أية دار نشر ألمانية قبل وبعد طباعة الكتاب أو لتوزيعه هناك، كما طُبعت منه حالياً ألف نسخة ستوزّع من خلال البيت نفسه، مع إمكانية طباعته مستقبلاً وإضافة شعراء آخرين لم تشملهم الطبعة الأولى في حالة الإقبال عليه، وخصوصاً أن "السيّاح الألمان على رأس قائمة السياح الأجانب الذين يزورون عُمان"، وفقا للمصدر ذاته.
يرى المترجمان في إضاءتهما لنقل النصوص أن الترجمة عموماً سواء أكانت "حرفياً أو نقلاً لروح النص، فإنها أثْرت اللغة المنقول لها وأشاعت فيها حياة أخرى، وهذا ينطبق على العلاقة بين اللغة العربية واللغات الأوروبية، فالشعر ليس جمالاً كونياً فقط وإنما أيضاً حقيقة ليقرب بين البلدان والثقافات المختلفة". كما يشيران إلى أن "الترجمة في اللغة الألمانية تعني أيضاً عبور النهر من مرفأ إلى آخر.. هل هناك صورة أجمل من أن ضفتي النهر تنتميان إلى طرق مختلفة في الحياة والتعابير ومع ذلك تنتميان للنبع ذاته؟".
حاولت الأنطولوجيا الجديدة أن تقدّم مشروعها إلى "السائح الألماني" بمعدّل قصيدة واحدة متوسطة الطول لكل شاعر، ونقرأ حول ذلك تبريراً طريفاً: "نريد لسائح عُمان أن يحرص على قراءة قصائد الشعراء العُمانيين كحرصه على اقتناء تحفٍ وهدايا يتذكر من خلالها التفاصيل الصغيرة والكبيرة عن رحلته في بلاد الشمس هذه".
فكرة مثل هذه سبقت عمان إليها بلدان وضعت صور شعرائها على البطاقات البريدية السياحية أو الطوابع البريدية، إلا أن شعراء تلك البلدان إنتاجهم مترجم إلى لغات العالم ومنتشر خارج بلادهم. وهنا يكون التمني ألا يُكتفى بالاحتفاء السياحي في وقت أن الشعر العماني - والشعر العربي بشكل عام - غير مترجم وغير معرّف به في العالم.
في "ثلاثون سِدْرَةً تحرس الجبل"، يتجاور شعراء ولدوا في الخمسينيات، كزاهر الغافري وسعيدة خاطر الفارسي مع شعراء ولدوا في الثمانينيات كماجد الندابي وهشام الصقري، وبينهم طيف واسع من مواليد السبعينيات مثل إبراهيم سعيد، وخميس قلم، وبدرية الوهيبي، ومحمود حمد، وعلي الرواحي، وعوض اللويهي، وفتحية الصقري، وإسحاق الخنجري، وهلال الحجري، وعلي المخمري، وعدد أقل من مواليد الستينيات منهم حسن المطروشي، وعبدالله حبيب، ومحمد الحضرمي، وصالح العامري، وهلال الحجري، تجاور هؤلاء الشعراء كما يتجاور السِدْر الذي ينتشر بكثرة في عُمان. الأنطولوجيا لم تفرّق بين سِدْرَةٍ وأخرى، رغم أربعة عقود مرت تحت جسرها مياه شعرية كثيرة.
وإذا صرفنا النظر عن عامل الزمن، بحجة أن تحقق الشاعر ليس مرهوناً بالزمن دوماً، لم تقدم لنا الأنطولوجيا أيضاً معايير جمالية لاحتشاد كل هؤلاء الشعراء في كتاب واحد ولانحيازها الواضح لجيل التسعينيات (أكثر من عشرين شاعراً)، مقارنة مثلاً بالأنطولوجيا التي أنجزها الشاعر صالح العامري ("مثل ينبوع معتكف في قلب الشَّاعر"، صدرت في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة للثَّقافة العربية"، 2007)، والتي احتكم فيها إلى "ذائقته الشِّعرية"، وانحاز جمالياً، حسب تعبيره، إلى "قصيدة النثر"، فيما خلطت الأنطولوجيا الجديدة كل الأشكال الشِّعرية، من "القصيدة التقليدية" إلى "التفعيلة" إلى "قصيدة النثر".
من الطبيعي أن تختلف مختارات شعرية موجّهة إلى سائح عابر، عن تلك الموجّهة إلى قارئ نوعي، وهذا هو حال "ثلاثون سدرة تحرس الجبل". من هنا يبدو أن الأعمال التي جرى وضعها ضمن الأنطولوجيا العمانية، قد اختيرت بصرف النظر عن القيمة الفنية للنص الشعري، المطلوب فيها هو أن "كل شيء يشبه عُمان لأن شعراءها هم أبناء الجبل والبحر والصحراء والسهل والمدينة"، كما جاء في تقديم المشرفين على المشروع.
ثمة أمر آخر يتصل بالجانب الفني في هذه الأنطولوجيا "السياحية"، يتمثل في أن النصين العربي والألماني لكل قصيدة لا يتقابلان وجهاً لوجه، ولو تم ذلك لأضفى دلالة جمالية في تأمل هيئة الكلمات في اللغتين المترجم منها وإليها، فضلاً عن أن المجموعة لم تقدم أية إشارة للإصدارات الشعرية لكل شاعر، رغم أن مقدمة الكتاب تأمل "أن يقرأ أحدهم قصيدة لشاعر في هذه المجموعة ويسرع باحثاً عن قصائد أخرى له يسافر معها في تكوين هذا الشاعر وسيرورته"، بل اكتفت بمسقط رأس كل شاعرة وشاعر بطريقة توحي بقصدية "السياحة الشِّعرية" إلى أكبر عدد ممكن من الولايات، اذ ترد في الكتاب 16 ولاية عُمانية بعضها حظيت بأكثر من شاعر، مثل مسقط وسمائل وشناص، وهنا "مربط الشِعر" التي لطالما أكدت عليه الأنطولوجيا صراحة أكثر من مرة: "نريد أن يقرأ أحدهم في صقيع أوروبي عن شمس عُمان وجبالها فيشعر بخيط دافئ من الضوء يتسلل من نافذة تلك القصيدة. نريد لقارئ مجهول أن يقرأ هذه المجموعة ويقرّر أن تكون عُمان وجهة سفره القادمة ليختبر بنفسه خيال القصائد وسحرها".
جميل أن يذهب الشعر إلى "السوّاح"، لكن السؤال المطروح هو: لماذا لا يذهب الشعر بدوره الى السائح العُماني في بلاده، ولماذا غالباً ما نقدم هذه الولائم إلى "الآخر" وليس الى ابن المكان أيضاً، في موازاة جديرة بالاهتمام من المؤسسات الأهلية والحكومية، ليتعرف "الناس في بلادي" على شعراء بلادهم، وخصوصا أن معظم طلبة المدارس والجامعات لا يطلعون على الشعر في تجربته الحديثة إلا ما هو مقرر في المنهج الدراسي على قلته. ذلك أن "ما يبقى يؤسسه الشعراء"، على حد تعبير الشاعر الألماني هولدرلين.