يبدو علم الاجتماع اليوم مثل شجرة كبيرة تتعدّد أغصانها، وربما تمتد إلى أشجار مجاورة فتشتبك معها (علم النفس، الأنثروبولوجيا، الفلسفة، علوم الاتصال..).
هذه الأغصان باتت تتعدّد وتتكاثر في محاولة هذا العلم لملامسة مجمل تفاصيل حياة المجتمعات وتغطيتها. من هنا، بتنا نعدّد فروع علم الاجتماع، من أكثرها شهرة وتداولاً مثل علم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع العمل وعلم اجتماع التربية، وصولاً إلى فروع أخرى أقل شهرة مثل علم اجتماع البيئة أو علم اجتماع أوقات الفراغ أو علم اجتماع الشيخوخة، وغيرها كثير مما لا يمكن إحصاؤه.
هذه المجالات، وقدرتها على التخصّص الدقيق لا يزال حضورها مقتصراً في الغالب عند عتبات المراكز الغربية بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأميركا. مثلاً، في ثقافتنا، لا يزال يُنظر إلى علم الاجتماع في الغالب كمجال علمي موحّد، وسنجد إما غياباً تاماً لتخصّصات برمّتها أو حضورها في مؤلفات قليلة معظمها مترجم.
هكذا لا تنتقل الحيوية التي يعرفها علم الاجتماع في صورته العالمية إلا قليلاً إلى عالمنا العربي، والذي يظل فيه مجالاً أقرب إلى الجامعة منه إلى المجتمع. بالرغم من ذلك، فالجميع في عالمنا العربي يحبّ أن يردّد بأن هذا العلم ولد بيننا مع ابن خلدون. لكننا نعلم أنه هاجر شمالاً بعد لحظة الولادة الخلدونية، وربما يحتاج إلى أفق مغاير هنا كي يعود إلى مكان ولادته في سنوات نضجه وتشعّبه.