رغم تأخر اكتشافها بالقرب من مدينة نينوى القديمة حتى منتصف القرن التاسع عشر، وترجمتها إلى الإنكليزية بعد نحو عقدين، إلا أن الدراسات الأركيولوجية حول ملحمة "جلجامش" والشروحات الأدبية والنقدية التي تناولتها لا تزال تتوالى حتى اليوم، لما يثيره العمل من أسئلة غير مسبوقة حول امتزاج الإلهي والبشري في الإنسان ذاته.
وأتت فكرة الخلود التي سعى إليها البطل السومري تجسيداً لمعتقدات بلاد الرافدين حول طبيعة البشر خلال الألف الثالث قبل الميلاد، والتي تنازعتها ثنائية المادة التي تتحول إلى تراب بعد موتهم، والروح التي تنحدر للعالم السفلي إلى الأبد، وتمّ التعبير عنها بالشعر الذي يشّكل مع شرائع حمورابي وعمارة ما بين النهرين أسس الحضارة العراقية القديمة.
"جلجامش، البطل الذي يرفض أن يموت" عنوان الأمسية التي تُقام عند السادسة والنصف من مساء اليوم الثلاثاء في "مسرح بروناي" في لندن، بتنظيم من "معهد الشرق الأوسط اللندني"، و"كلية الدراسات الشرقية والأفريقية" (سواس)، وتأخذ الفعالية العنوان ذاته لكتاب جان بوليترو الذي صدر عام 1992.
يتحدّث أستاذ الأدب البابلي أندرو جورج (1955) حول الملحمة بوصفها أقدم نص أدبي مكتوب في العالم. وتحتفظ بريطانيا بالألواح الطينية المكتشفة والمكتوبة بالحرف المسماري، والتي تحتوي كامل المقاطع التي تمّت ترجمتها إلى لغات عديدة، من خمسة فصول وهي: جلجامش وأرض الأحياء، وجلجامش وثور السماء، وجلجامش وإنانا وشجرة الحلبو، جلجامش وأنكيدو والعالم السفلي، وموت جلجامش.
ويقف صاحب كتاب "النقوش الملكية المسمارية" (2011) وأحد مترجمي "جلجامش"، عند أربعة مواضيع أساسية تتعلّق بأركيولوجيا الملحمة، وكيفية إعادة بناء نصها، والقصة التي ترويها وأهم محطّاتها ودلالاتها، ورسائها حول الحياة والموت.
ثم يوقّع أستاذ الأدب مايكل شميدت كتابه الجديد "جلجامش: حياة قصيدة" الذي صدر في أيلول/ سبتمبر الماضي، ويتضمّن تأملات في قصيدة مفقودة وإعادة اكتشافها من قبل الشعراء المعاصرين، خاصة قصة الطوفان التي سبقت المرويات التوراتية حول زمن وقوعها.
ويناقش المؤلّف حضور الملحمة في أعمال عدد من الشعراء الأمريكيين ممثل تشارلز أولسون (1910 – 1970)، ولويس زوكوفسكي (1904 – 1974)، ويوسف كومونياكا (1941).