يُعد المفكر الإنكليزي برتراند راسل (1872 - 1970)، أحد أكثر المفكرين متعددي الاهتمامات إذ كتب في كل شيء تقريباً ما عدا علم الجمال، وهو أيضاً -بخلاف معظم الفلاسفة- ممن تميزت كتاباتهم بوضوحها ومتعة قراءاتها، حيث لمع قلمه في أكثر من مجال وسياق، وتناول قضايا من الحياة اليومية للإنسان كالملل والسعادة والعلم والديمقراطية، وبالطبع الدين.
كتب راسل مرة: "في الشؤون الإنسانية، يمكننا أن نرى أن هناك قوى تصنع السعادة، وقوى تصنع البؤس. لا نعرف أيهما سوف يسود، ولكن لكي نتصرف بحكمة يجب أن نكون على دراية بكليهما"، وهكذا كانت كتاباته تتعامل مع طرفي النقيض في كل مسألة يخوض فيها.
حول آراء راسل الدينية، يقدم الباحث العراقي محمد فاضل عباس كتابه "برتراند رَسل والمسألة الدينية" الصادر حديثاً عن "دار قناديل" في بغداد. ويرى فيه أن راسل "نَصَّبَ نفسه مقاتلاً شرساً ضد الفكر الدوغمائي، وضد التعصب والانغلاق من أينما جاء"، وأنه "انتقد الفكر القومي والفكر الماركسي والفكر الديني وأي فكر يرى امتلاكه الحقيقة دون الآخرين".
اعترض صاحب "ما أؤمن به"، "وبشدة على المؤسسة الدينية المسيحية الماثلة في الكنيسة ولا سيما كنيسة العصور الوسطى وممارستها المعارضة على الدوام للتقدم العلمي"، ويحاول المؤلف في هذا الكتاب أن يجمل آراء راسل من المسألة الدينية، ومن القومية والماركسية والتربية والسلام العالمي.
كما يضم الكتاب خلاصة لآراء أهم وأبرز الفلاسفة الإنكليز التجريبيين في المسألة الدينية؛ لما لهم من دور وتأثير في فكر راسل، الذي يعد من مؤسسي الفلسفة التحليلية، وقد تأثر بشكل خاص بفلسفة ليبنتز.
لراسل مواقف سياسية بارزة، فقد تمرد على الحكومة البريطانية في الحرب العالمية الأولى وكان في طليعة المناهضين للتجنيد الإجباري، ونبذ الأرستقراطية، وناصر الاشتراكية فترة من الزمن وآمن بها ثم انقلب عليها، كما رفض تقاليد المجتمع الإنكليزي، معترضاً على أساليب التربية التي كانت سائدة، وعلى تقييد الحرية الفكرية للناشئة.
دافع راسل عن حقوق الشعوب في تحررها واستقلالها، ومنها حق الشعب الفلسطيني في أرضه وحق الشعب الفيتنامي في تقرير مصيره، منتقداً السياسة الاستعمارية الاستحواذية أينما كانت، ووقف ضد القنابل الهيدروجينية والذرية وقنابل النابالم.