كانت سيّدتنا التي من دمعةٍ وصوت ممددةً في القاعة وبجانبها وصيفةٌ ترفع أُغنيتها إلى الملأ. لم أتساءل في تلك الساعة العظيمة لِمَ تصمت سيدتنا وتقول الوصيفة أغنيتها؟
كان حضور السيدة يكفي لأن أبتهج بعطيّة الحُلم، إذ خطواتٌ فحسب تفصلني عنها. ولن أنكر أن حُسن الطويّة في حالتي هو أيضاً نوع من الغفلة.
انتهى الحفل ومرّت السيدة محمولةً على محفّة من أمامي ولم أجد ما أقوله – حين صارت عيناها اللوزيتان في عينيّ - سوى دعوتي لها: "الله يخلّيلنا اياكِ". وكان حسبي أن أقول ذلك دون أن أنتظر رداً من السيدة التي سرعان ما مُضي بها.
في اليوم التالي، وبينما كنّا نُقتل في العراء العظيم أمام الكاميرات، مثل خيول بشرية يتلهّى القناصون بصيدها على الرمل، على الدخان، على الاستغاثات؛ لم تصمت السيدة.
ترتيلتها "إلى متى يا رب" كانت جُرناً من الحجر جَمَعْنا له الدمع وما زلنا نَجمع، ترتيلتها قالت إنّ لنا أهلاً غير هؤلاء الذين كانوا يتفرّجون على الشاشات قليلاً، قبل أن ينصرفوا إلى شؤونهم.
أمِن قليلٍ أني كنتُ أقول لها في الحلم – مثل عاملِ مياومةٍ لم يجد شغلاً، مثل لاجئ طال لجوؤه، مثل ضائعٍ خسر ضياعه، مثل راعٍ يشكر الأرض: "الله يخلّيلنا اياكِ"؟