في كتابه "سؤال القيمة: مقاربة لرصد إشكالية القيمة في فلسفة لافيل"، الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يؤكد الباحث الجزائري هشام بن جدو الحاجة الماسة إلى التطلع عربياً إلى مختلف المشروعات القيمية التي حددت وجهة العقل الغربي، معرفياً ومنهجياً.
يعاين المؤلّف أفكار الفيلسوف الفرنسي (1883 – 1951)، الذي رأى أن وجود القيم في العصر الجديث لا يرتبط بالإنسان، بل هي خاصية ترتبط بالأشياء فتجعلها جديرة بالوجود ومطلوبة من قِبل الانسان، وتنفرد القيمة عنده بأنّها تُراد، وما دامت تُراد فهي دائماً موضع نقاش، وتهدف نظريّة القيم بصورة دقيقة إلى البحث في ما يجعل القيم تُراد بصورة مطلقة في كل زمان ومكان.
في الفصل الأول "لافيل وسؤال القيمة"، يقدم بن جدو الكتاب شخص لوي لافيل إلى القارئ العربي، مركزاً على أهم المحطات الفكرية التي ساهمت في بلورة شخصيته الفلسفية، والتأصيل المنهجي لسؤال القيمة من خلال التفصيل في سؤال المنهج، ليسهل تتبّع مشروعه في القيمة ومذهب فلسفة الحضور والمشاركة، كما يتطرق إلى سؤال القيمة عند لافيل بتسليط الضوء على أهم تطورات هذا المبحث والإشكاليات القيمية التي يعالجها.
يسلّط الفصل الثاني "تاريخية سؤال القيمة" الضوء على أهم المصادر التي ساعدت لافيل في استشكال مبحث القيمة، ويعرض موقف لافيل من الأنساق الفلسفية المختلفة التي كان لها أثر في بلورة مبحث فلسفة القيم، من حيث دورها في توجيه الدراسات والبحوث في مجال القيم عبر استشكالها للإشكاليات الكبرى وإجاباتها عن الانشغالات القيمية وآليات البحث التي اعتمدتها.
في الفصل الثالث "مبادئ حكم القيمة" يعرفنا الباحث إلى كلٍّ من القيمة من خلال علاقة تبادلية بين الذاتية والموضوعية، والحوار المتجدد الذي تعقده الأنا مع العالم، وعهد الرغبة وعهد المعقول، والقيمة بين الكم والكيف، والقيمة بين الوحدة والتعدد، ووضعيات التقويم، ويعرفنا أيضاً إلى الحرية في علاقتها بالقيمة وحدود ممارسة الحرية، والحرية المسؤولة الممجدة لروح الجد، والحرية في إطار تجربة وجودية روحية تنطلق من كوجيتو القلق؛ حرية تقتضي الفعل والمشاركة، حيث تُدرك الحرية في الفعل الذي به تمارَس، وحرية متعالية ترفض منطق التشيؤ التبريري.
يفصّل الفصل الرابع "فلسفة الحضور والمشاركة" فلسفة الحضور والمشاركة عند لافيل بإبراز مقومات تجربة الحضور والمشاركة، مشيراً إلى تاريخيتها، ثم خصوصيتها لديه، مشيراً إلى الحياة الروحية وتجلّي القيمة في الوجود، وتحديد ماهية سند القيمة، الذي هو الذات الإلهية، حيث يتخذ الله في نظرية القيمة عند لافيل صورة الذكاء المحض؛ إنه الذكاء في صورة ممارسة، ضمن إطار الإله الأقنومي.
في الخاتمة، يلخص أهم الإشكاليات وكيف تناولها لافيل، إضافة إلى جملة الانتقادات التي هي بمنزلة ملاحظات أفضت إليها عملية سبر المضامين القيمية والإبيستمولوجية في مشروع لافيل، محاولاً فتح الآفاق من خلال صوغ تساؤلات تحث على الاهتمام أكثر بفلسفة لافيل؛ فيمكن من خلال ذلك بلورة البدائل القيمية التي تساهم ربما في نقد الثقافة العلموية وما انجر عنها من مأزق قيمي، وفي إيجاد البدائل القيمية التي تكرس ثقافة التواصل وتمجيد القيم الإنسانية المشتركة.