في عام 2013، ابتكرت ثلاث مدوّنات منصةً أطلقن عليها "أون أورينت"، فتحنها لالتقاء فنانين من شمال أفريقيا والمشرق العربي، قادمين من حقول إبداعية متنوّعة؛ الكتابة والموسيقى والسينما والغرافيتي والرسم.
من ضمن المشاريع التي أنتجتها هذه المنصّة فيلم بعنوان "رحلة" بدأ بسؤال "ما معنى أن تكون عربياً؟"، وانتهى السؤال إلى وثائقي يحاول الإجابة عنه. عُرض الفيلم خمس مرات في باريس خلال كانون الثاني/ يناير الماضي، وسينتقل للعرض، بدءاً من آذار/ مارس المقبل، تباعاً في الرباط، ومراكش، وتونس، والجزائر، والقاهرة ثم دبي فبيروت ليحلّ أخيراً في عمّان.
تنقّلت المدوّنات الثلاث: هاجر الشقيري وأميمة عجاري وغيتا شيلا، كمستكشفات في ستة بلدان عربية (المغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان والأردن)، وسألن السؤال نفسه لـ130 فناناً و30 فاعلاً ثقافياً.
توضّح المخرجة هاجر الشقيري في حديث لـ"العربي الجديد": "اقترحنا على قرّاء المدوّنة اختيار واحدة من ثلاث ثيمات لمناقشتها وصناعة فيلم حولها، بحيث يكون مشروع الوثائقي منبثقاً من تساؤلات حقيقية عند الناس". الثيمات كانت وفقاً للمخرجة الثانية للوثائقي، شيلا: "ما الذي يصوغ الهوية العربية الحديثة؟ ودور العصر الرقمي في صياغة المقاومة العربية، ودور الثقافة في المدينة العربية".
بالنسبة للثيمة الأولى، تقول شيلا في حديثها لـ"العربي الجديد": "على هذا الامتداد من المغرب إلى المشرق، يبدو مفهوم الهوية مختلفاً في كل بلد، من حيث التنوّع اللغوي والتعدّدية الدينية، بحيث يبدو المشهد مثل موزاييك يكشف عن اختلافاته وتمظهراته أحياناً بشكل عنيف مثلما يحدث في الصراعات، مع أنه يظلّ مصدراً استثنائياً للتعدّد الثقافي".
أما بالنسبة للمحور الثاني الذي اقترحته المخرجات، فيناقش إن كان يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تشكّل أساساً لنوع من "النهضة الجديدة"، عنه تبيّن الشقيري أن ما شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة كشف عن وجود حركة ثقافية من مختلف الحقول، وهذه بدت كما لو أنها وجدت أنماطاً جديدة من التواصل وابتكرت تمثيلات فنية وثقافية جديدة.
من جهتها، تتحدّث شيلا عن أهمية التساؤل حول دور الثقافة في المدينة العربية، وترى "أنه يلعب دور الشاهد على الخيال الشعبي القوي وجمالياته. غير أن سؤال العمل الفني يطرح نفسه على الرغم من حقيقة أن العمارة والفنون والفنون الحرفية كانت في كثير من الحقب جزءاً من هذه المدن القديمة ولمدة قرون"، وتكمل: "لكن هذا لا يمنع أن هذه المدن الجميلة، والمتمرّدة أحياناً، تسائل دائماً وتشكّ في دور الفنان وقيمة عمله الفني بالنسبة للفضاء العام".
وبالعودة إلى السؤال الأساسي لـ"رحلة"، تعلّق الشقيري على نتيجة هذا الاستطلاع: "وجدنا في هذه الرحلة أن معنى أن تكون عربياً هو مفهوم وشعور معقدان. من خلال سؤال 130 فناناً، خرجنا من هذه التجربة أن لا أحد لديه إجابة واضحة. لدينا شعور غير قابل للوصف بأننا وجدنا شيئاً: اللغة الطيّعة، والأصوات والألوان المشتركة، نوع من التراث نقدّره في يوم وننساه في اليوم التالي".
تضيف شيلا: "كل بلد من البلدان العربية مختلف عن الآخر. وبالرغم من تشابهها في نقاط معينة، فأن تكون عربياً أمر لا يمكن تعريفه من مجموعة خصائص مشتركة. بل لا بد أن يكون حصيلة ثقافات وهويات مختلفة يملكها الناس على امتداد هذه البقعة، أن تكون عربياً يعني ذلك الشعور الغريب بأنك تفهم شخصاً ما، على الرغم من أنك لا تشترك معه في الكثير".
النتائج الأساسية للوثائقي تلخصها الشقيري وشيلا في: "ثمة الكثير من الحواجز السياسية بين البلدان العربية، مثلاً المغربي يحتاج إلى تأشيرة للدخول إلى ثلاثة بلدان من ستة. أما النتاج الثاني فهو أن الشباب مبدع وديناميكي من دون أن يكون هناك تمكين لهؤلاء الفنانين".
والنتيجة الأخيرة هي أن "هناك شعوراً لا يمكن إنكاره وثقافة مشتركة تربط هذه البلدان العربية، ولكنها تقوم حالياً على مرجعيات ثقافية نوستالجية، وغير كافية أو مواكِبة ولا مجارية لحركة تغيّر المجتمعات الشابة في كل بلد".