تركّزت الانتقادات لـ "سنّار عاصمة الثقافة الإسلامية" هذا العام في السودان على عدم تنفيذ العديد من المشاريع التي أعلن عنها، فلم تنته عمليات ترميم قصر السلطان بادي الأحمر، ونشر أقل من نصف العناوين التي أعلن عنها بهذه المناسبة، كما لم يصدر سوى عدد واحد من مجلة سنار، وتعثّر كثير من الأنشطة والمسوح المقرّر تنفيذها.
كثيرون كانوا يأملون أن تحقّق التظاهرة أهدافها عبر كتابة تاريخ أول مملكة إسلامية شكّلت ملامح الدولة السودانية الحديثة مع مرور خمسمئة عام على تأسيسها، لكن المشاكل في إدارة العمل الثقافي وتنظيمه، وقلّة الدعم الرسمي، وضعف الاهتمام الإعلامي تشكّل عناوين أساسية تحكم الثقافة في البلاد.
الأمر ذاته يتكرّر سنوياً مع "معرض الخرطوم الدولي للكتاب" الذي نظّمت دورته الثالثة عشرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن المنظّمين هذه المرة تجاوزوا عقبات عدّة في التخطيط والتنظيم قياساً بدورات سابقة، ليبقى ارتفاع أسعار الكتب والرقابة أكثر ما يؤرّق القارئ السوداني، والذي يجري التحايل عليهما عبر تنظيم مؤسسات أهلية بالتعاون مع هيئات دولية وفعاليات لعرض الكتب طيلة العام.
السياسة أطلت برأسها كالعادة، مرّة مع الإعلان عن رفع الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة عام 1997، حيث يتوقّع أن تتأثر الحياة الاقتصادية على نحو إيجابي ويتوقّع أن تنخفض بناء على ذلك أسعار الكتب، ومرة ثانية مع الأزمة الحدودية مع مصر والتي يبدو أنها ستتصاعد حدّتها بالنظر إلى تصريحات مسؤولين في كلا البلدين في الأيام الأخيرة.
وزارة الثقافة المصرية أعلنت في أيار/ مايو الماضي عن افتتاح ثلاثة "قصور للثقافة" في منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها مع الخرطوم، لتردّ الأخيرة بتأسيس بعض المشروعات التنموية، ذات الطابع الثقافي في المنطقة ذاتها، مع تكرار المعزوفة الدائمة لدى إعلام الجارتين حول الاختلاف الجذري بين "سودانيي" حلايب وشلاتين و"مصرييها"، وكأن الحديث يدور حول ثقافتين لا تواصل وتفاعل بينهما طوال القرون الماضية.
يعتبر مثقفون سودانيون أن الأزمات الإقليمية والدولية حالت دون تقدّم التنمية والديمقراطية في السودان، لذلك يجري استغلالها على الدوام للتغطية على الأخطاء الداخلية؛ خلاصة قد تغيّرها معطيات صغيرة لكنها تبعث على التفاؤل، ومنها قرار محكمة شمال الخرطوم بوقف أعمال البناء والتشييد التي تقوم بها إحدى الشركات على أرض "عزيز غاليري" ليعود إلى إدارة الفنانة التشكيلية السودانية إيثار عبد العزيز، ما عدّه البعض انتصاراً رمزياً للمبدعين.
لكن الأخبار السارة لم تصل إلى الفن الرابع، إذ بيع مسرح "تاجوج" الوحيد في مدينة كسلا (شرقي العاصمة) في مزاد علني في آذار/ مارس الماضي لتحويل مقرّه إلى مجموعة من المحال التجارية بعد إزالة مبناه وتسويته بالتراب، ورغم وعود معتمد محلية المدينة عن توفير مسرح بديل خلال ثمانية أشهر، إلا أن السنة انقضت دون تحقّق ذلك.