حكمت الدولة الزيرية تونس وشمال الجزائر والمغرب منذ نهاية القرن العاشر وحتّى منتصف القرن الثاني عشر بعد انفصالها عن الدولة الفاطمية، واتّخذت من مدينتي القيروان ثم المهدية مركزاً لها، وشهد عصرها تطوّراً في صناعات النسيج والجلود والفخّار والزراعة وأنظمة الري والتجارة عبر المتوسّط.
في كتابه "صناعة النقود بإفريقية خلال العهد الزيري.. معطيات جديدة من خلال دراسة كنزَين محفوظَين بالمتحف الوطني للفن الإسلامي برقادة"، الذي صدر حديثاً عن "مجمع الأطرش" في تونس، يُضيء أستاذ التاريخ والآثار محمد الغصبان على تلك الفترة، من زاوية اقتصادية تتمثّل في المعاملات النقدية.
يشير المؤّلف إلى أنه "خلال العهد الزيري مثّل الدينار والدرهم أسّس النظام النقدي الموروث عن الفاطميّين، ورغم أن أسماء وألقاب خلفائهم كانت تُنقَش على النقود المضروبة في أفريقية الزيرية كناية عن التبعية السياسية، إلّا أنه في عهد الأمير المعز بن باديس بدأت تظهر علامات البحث عن الاستقلالية".
يضيف: "لقد كانت دور الضرب، وخصوصاً في المنصورية، تقوم بدورها على أكمل وجه، وحقّقت التواصل المالي للدولة حتى في فترات الأزمات. لكن ظهور مشاكل تقنية بحتة تخص دار الضرب وحدها، إضافة إلى مشاكل أمنية وسياسية، أثّر كثيراً على عملية التزوّد بالمعادن خصوصاً الفضة، فضلاً عن تنامي الطلب على النقود من الفضة والذهب، ما جعل دار الضرب تتّخذ إجراءات غير اعتيادية مخالفة لضوابطها، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار المالي".
درس الغضبان مجموعتَين نقديّتَين، الأولى تضم 116 قطعة من ربع الدينار الذهبي، والثانية تضمّ 86 درهماً فضياً، حيث يوضح أن "دار السكة في المنصورية هجّنت الأرباع، وانتدبت لبعض السنوات نقّاشين غير بارعين لإعداد طوابع سيّئة تقنياً وفنياً، كما عمدت إلى إعادة قطع نقدية فضّية كانت رائجة في السابق إلى الطبع مرة أخرى، مستغنية بذلك عن مراحل أساسية في صناعة النقود، وتطعيم الفضّة بمعادن أخرى لتوفير الكمية الضرورية لاستمرار العمل بدار العملة وبنسق سريع مواكب للمعاملات اليومية".
تتناول الدراسة مجال النقود بوصفه مظهراً هامّاً من الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، ومن خلاله تتطرّق إلى مظاهر أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية ومذهبية.