الكتاب الممهور بعبارة "قصص غرائبية"، يضعك منذ اللحظة الأولى في أجواء ما ينتظرك في ثماني قصص تحمل العناوين الآتية: "الامتداد" و"أعضاء غير مرئية" و"اليقظة" و"داخل نقطة" و"فمي الجديد" و"بارانويا" و"الملاك الساقط" و"السيد كاف".
العالم الذي في القصص غرائبي لأنه يحدث داخل الذات، التي تكاد تكون نفسها في جميع القصص؛ الذات التي تعيش في الظلام تماماً حين يتعلّق الأمر بمحاولات إدراك النواة التي انشطرت واندمجت مرات ومرات حتى وصلت بصاحبها إلى ذاته الآن، وعلاقتة المرتبكة مع العالم، والذي تكاد لا تراه.
إنها ذات غرقت في ذاتها وأذابت الحواس في هذا الغرق، بحيث أصبح من المتعذّر بناء علاقة مع المكان، كما يمكن لحاملها أن يعيش بين الناس دون أن يراهم. العنوان أيضاً يقول هذا؛ إنه شلال يتدفق في نفسه، لا يروي غيرها ولا يغرق سواها ولا يمكنه أن يكون متاحاً للنظر. إنه يسقط في نفس الموضع الذي انبثق منه، صحيح إنه ماء يجري، لكن يمكن النزول فيه نفسه مرات ومرات.
تلك الشخصية التي كانت معرضة للقسوة باستمرار؛ قسوة فعلية ومادية وقسوة الذات المفكرة بعمق، في إحدى المشاهد تضع الأم طفلها في القبو المعتم أياماً ليعرف معنى الموت، وفي مشهد آخر طفل يخشى كتمان أي فكرة كي لا يحاول الآخرون مراقبته أو اكتشافه أو تضليله، لذلك يخبر الجميع بكل ما يخطر له.
تدور كل الروايات على لسان الأنا، المتكلم فقط هو المتحدث، ولا يختلف الأمر كثيراً في القصة الأخيرة "السيد ك"؛ إذ تدور القصة على لسان شخص يزور السيد كاف المصاب بفصام الشخصية، لنكتشف في نهاية الأمر أن الزائر هو نفسه السيد كاف. الحيلة ليست جديدة وليست مفاجئة سردياً، فمثل هذه الحبكات طرقت كثيراً في السينما، ومن بينها فيلم "شاتارد أيلاند" على سبيل المثال لا الحصر.
لكن أهمية "السيد ك" في هذه المجموعة القصصية هو في مكانها كآخر قصة فيها، حتى ليبدو الأمر أن الذات التي تنوعت أوهامها وحاولت فهم كمية الفوبيات الكثيرة التي تتعرض لها في حياتها، أوصلتها لأن تكون "السيد ك" إلى لحظة من الانفصامات الكثيرة والخلل النفسي الذي يتوقعه الكاتب كمصير محتّم للشخصية المصابة بالبارانويا والخوف من المرتفعات والرعب، من كتمان الأسرار وتوهّم أن العالم غير مرئي وأنه محشور جنسياً ونفسياً وعقلياً مع فيل في غرفة واحدة، هي ذاته.
اقرأ أيضاً: صمت يشبه كلمة مبتورة