تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- الكتابة. شرعتُ منذ بضعة أسابيع في تأليف نص مسرحي جديد ضمن المسرح الكوانتي (Théâtre quantique)، وضعت له العنوان الآتي: "المُشابَكَة". هذا النص هو المتن الثالث ضمن ثلاثية مسرحية من المسرح الكوانتي، كنت قد انطلقت في تأليفها منذ بضع سنوات. حمل النص الأوّل منها عنوان "الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد"، وحمل الثاني عنوان "الرَّاجِحُ والمُتَعَذِّر".
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر كتاب صدر لي هو "معجم المسرحيات المغربية: من البداية إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين"، نُشر هذا العام عن "دار توبقال للنشر" في 760 صفحة من القطع الكبير. أمّا كتابي القادم، والذي سيصدر مستهل سنة 2020، فهو النص المسرحي الذي أشرتُ إليه آنفاً، "الرَّاجِحُ والمُتَعَذِّر".
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- لا أعتقد أنه بإمكان أي كاتب أو فنان أو مبدع أن يكون راضياً تمام الرضا عن إبداعاته وأعماله، وإلا فإن ذلك سيحدّ بدون وعي منه من أفق الخلق والابتكار لديه. إن الكتابة، بوصفها من أفعال الخلق والابتكار، تقتضي منّا أن نبحث عن ابتكار الممكن، ولكن بالأخص عن خلق المستحيل.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- ما من أحد يستطيع تغيير اتجاه دوران عقارب الساعة. ثمّة مجموعة من العوامل التي تحدّد مسارنا وتوجّهه. لكن، لو أُتيح لي أن أعود بالزمن إلى الوراء، فلن أعمل سوى على تسريع وتيرة دوران العقارب، لأبلغ المسار نفسه في أقصر وقت.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- ليس للإنسان أن يعتقد أنه باستطاعته أن يغيّر هذا العالم، أو حتى أن ينتظر تحوّلاً ممكناً له. ربما كان تحقيق ما نرغب فيه يتطّلب أكثر من حياة. وربما كان الإبداع وحده ما يسمح لنا ببعض الحلم.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- يوريبدس، ثالث روّاد التراجيديا الإغريقية. كان هذا الشاعر التراجيدي العظيم أول رجل مسرح، في تاريخ المسرح، يجرّب في الكتابة والفرجة معاً. لو جاز لي أن أعود خمسة وعشرين قرناً إلى الوراء للقائه، لحاولت أن أتبيّن سيرورة الإبداع والتجريب عنده انطلاقاً مما يدوّنه من مسودات نصية أثناء الاشتغال على أحد الأعمال، أو ممّا تخلّفه جلسات التدريب التي يديرها، والعروض المسرحية التي يقدّمها، من آثار تدل على تجريبيته. أليس من المهم أن نستمتع بتجريبية يوريبدس وأن نتفحّصها بأن نعود بالزمن إلى الوراء، فنحضر عروضه المسرحية ونقرأ كل أعماله بما فيها تلك التي لم تُحفظ ولم تصلنا؟
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أبي، محمد الكغاط رحمه الله، فقد كان صديقي أيضاً. أعود إليه على الدوام لأستلهم من حياته أولاً، ثم من كتاباته وإخراجاته المسرحية ثانياً. ولذلك، فليس من الغريب أن يحضر في بعض ما أكتبه بعضٌ من تصوّراته الجمالية وخياراته الفنية في الكتابة المسرحية وفي الإخراج. بل إني أعتقد أنّني أعود إليه حتى في دراساتي النقدية وأبحاثي المسرحية لأستلهم من دراساته وأبحاثه المسرحية رصانتها، ووضوح مناهجها، ودقّة مصطلحاتها ولغتها العلمية.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أقرأ منذ بضعة أيام الجزء الثالث من رواية "1Q84" لـ هاروكي موراكامي. كنتُ قد قرأت الجزأين الأول والثاني منذ مدّة غير قصيرة. وإذا كان العنوان يحيل على "1984" لـ جورج أورويل، فإن لا شيء يجمع بين عوالم الكاتبين سوى عبقرية الخلق والابتكار. على أن هذا الجزء الثالث من عمل موراكامي يبدو، بالنسبة إلي وفي حدود ما قرأته إلى الآن، أقل خيالاً وإبداعية من القسمين الأولين. ولهذا، فمتى أردنا أن نكتب ثلاثية أو رباعية ما، أو أن ننجز فيلماً ما ثم أن نعيد التجربة بقسم ثان له، كان من المهم بالنسبة إلينا أن نحذر التفاوت الذي قد يبرز بين جزء وآخر.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- ما من تجارب موسيقية أو غنائية تستهويني سوى ما كان منها مبدعاً في الخلق والابتكار فخلّد أصحابها. أستمع باستمرار إلى فريد الأطرش وأسمهان، وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي، وفائزة أحمد ونجاة الصغيرة وفيروز، وبتهوفن وباخ ودفوراك. وأستمع أحياناً إلى نفس الأغنية، أو القطعة الموسيقية، عشرات المرات لأكتشف أساليب التجريب والتجديد فيها. فريد الأطرش، مثلاً، سبق زمانه، فجرّب وجدّد في اللحن وفي الأداء معاً. وأسمهان، أيضاً، سبقت زمانها، إذ ما من أحد غنى مثلها قبل رحيلها. ويكفي أن نستمع إلى مطولتيها "هل تيم البان فؤاد الحمام" و"يا لعينيك ويا لي" لنعرف أن حداثة الأغنية العربية تعود إلى ما يقارب الثمانين سنة.
بطاقة
كاتب وباحث مسرحي مغربي، من مواليد 1968 بمدينة فاس. حاصل على الدكتوراه في الفيزياء سنة 1995، وعلى الدكتوراه في الأدب العربي الحديث (تخصص مسرح) سنة 2009. من أعماله: "معجم المسرحيات المغربية" (2019)، و"الإيقان والارتياب أو يوريبدس الجديد" (نص مسرحي)، و"تجريب في المسرح الكوانتي"، (2016)، و"تدوين الفرجة المسرحية" (دراسة، 2013).