مرّة أخرى، "تستعين" الجزائر بالخبرة التركية لترميم تراثها المعماري المتهاوي. بعد مسجد "كتشاوة"، عُهد مؤخّراً إلى مؤسّسة تُركيّة بترميم "قصر الداي" الواقع في حيّ "القصبة" (المدينة القديمة للجزائر).
بُني القصر الذي يُسمّى أيضاً "قلعة الجزائر"، في القرن 16 الميلادي، وكان مقرّاً لإقامة آخر دايات الجزائر. وهو الأكبر في الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية بعد "طوب قابي" في إسطنبول.
يضمّ المجمّع قصرين ومسجدين وقاعات لديوان الحكم ومخزناً لملح البارود، وتحيط بساحته المستطيلة أربعة أجنحة مكوّنة من ثلاثة طوابق تضمّ شققاً ومطابخ وحمّامات. يتجلّى في طرازه المعماري الفريد في الجزائر، امتزاج التأثيرات المعمارية الأندلسية والتركية والفارسية والأوروبية. وتبدو التقنية المستخدمة في الخزف التونسي من إبداع الحرفيّين الموريسكيين الذين غادروا الأندلس إلى تونس في القرن 15 على ما يقول متخصّصون.
يرتبط القصر في الذاكرة الشعبية بفترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، فالقصر الذي أقام فيه الداي حسين 12 سنة، شهد في 1827 ما سُمّي بـ "حادثة المروحة" التي اتّخذتها فرنسا ذريعة لاحتلال الجزائر، حين استقبل الداي القنصل الفرنسي شارل دوفال وطالبه بتسديد الديون المترتّبة على فرنسا، وهي في الأصل مساعدات قدّمتها لبلاده بعد أن فرضت الدول الأوروبية حصاراً عليها بعد الثورة الفرنسية. يقول المؤرّخون إن دوفال تصرّف بطريقة "غير لائقة"، فطرده الداي ملوّحاً بمروحته، فأرسل الملك شارل العاشر جيوشه إلى الشواطئ الجزائرية، بحجة "استرجاع شرفه المهدور".
المفارقة أن البولنديين أعدّوا دراسة لترميم القصر بين سنتي 1986 و 1979، وبدأت الأشغال في 2006. لكن بعد سنوات من ذلك، ظلّ القصر على حاله، بل ازداد وضعه سوءاً، مع توالي التصدّعات وانهيار أجزاء منه، آخرها سقوط جزء بطول عشرين متراً من سوره الخارجي. يربط المتخصّصون في الآثار أسباب تلك الانهيارات والتصدّعات بأشجار الكاليتوس المحيطة بالقلعة وحركة مرور السيارات في الطريق التي تشقّها إلى نصفين.
"قصر الداي" نموذج للوضع الذي تعيشه الكثير من المعالم الأثرية في ظلّ نقص فادح في المختصّين بهذا المجال، إذ لا تتوفّر الجزائر إلاّ على 50 مهندساً مؤهلّاً لحماية وترميم الآثار، وهو ما يفرض الاستعانة بالخبرة الأجنبية في المجال.
في هذا الإطار، تحتضن الجزائر ملتقى دوليّاً حول تجارب عدد من الدول في إنشاء مدن جديدة أو إعادة ترميم مدن قديمة، خلال شهر كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل.