ينطلق "معرض بيروت للفن" اليوم في البيال ويستمر لثلاثة أيام، بحضور خمسين صالة عرض تروّج لفنانين من تيارات مختلفة في الرسم والنحت والفيديو آرت والتجهيز والتصوير.
المعرض، الذي يبلغ سنته الخامسة في هذه الدورة، هو واحد من معارض معدودة تُقام في المنطقة العربية، وربما من أبرزها "آرت دبي" و"فن أبو ظبي"، وهي ظاهرة تفتح على الكثير من القضايا وتثير الكثير من التساؤلات.
نحن لا نعرف، مثلاً، جدوى هذه المعارض، التي تعُرف بتكاليف تنظيمها الباهظة، وإلى أي مدى تخدم الصالات والفنانين الذين تمثلهم حقاً في البلاد العربية، وإن كان أثرها على الفن إيجابياً مثلما هو متوقّع أن يكون على سوق الفن، وهما أمران منفصلان طبعاً.
يكفي أن تقلّب في مواقع عالمية مثل "آرت برايس"؛ لتجد أن هناك "موضة" دارجة في الفن على المستوى العالمي، مثله مثل أي تجارة أخرى، وأن هناك صالات عرض ذات نفوذ، وأخرى تحاول شقّ طريقها بحذر كأسماك صغيرة وسط حيتان، وأن هناك فنانين أصحاب سلطة، وأن نيل جائزة فنية يزيد سعر عمل لفنان ويقلّل من سعر أعمال فنان آخر، وأن المنسق أو الـ "كيوريتر" لهذه المعارض، ليس بالضرورة شخصاً ذواقاً للفن، بل "فهلوي" ومطّلع جيداً على أسهم هذه السوق وموضة هذه الأيام وأمزجة المقتنين.
لنأخذ مثلاً، مع بداية الأحداث في سورية وانتقال فنانين كثر إلى الإمارات ولبنان؛ أصبحت اللوحة السورية دارجة أكثر من غيرها، وظهر فنانون متواضعون استطاعوا أن يصنعوا اللوحة الـ بين بين؛ اللوحة التي لا ترقى لأن تكون فناً عظيماً لكنها ليست تجارية كذلك. إنها لوحة ذات فكرة فيها "شطارة" وقابلة للبيع بسعر جيد.
رفعت الأزمة السورية سعر اللوحة السورية وانتشار الفنان السوري إلى أضعاف لم يكن يحلم بها أصحابها. واستفاد بعضهم، من دون أن يقدِّم فناً للتاريخ، كما تستفيد أي وسيلة إعلامية من المرحلة بما فيها من صور وأخبار عاجلة.
لقد أطاعت صالة العرض (وبالتالي الفنان)، بدخولها هذا السوق، قانون الرأسمالية الطبيعي، حيث الأولوية للمنتَج قبل من يقف خلفه، ثم التفكير في بيع (استهلاك) هذا العمل الفني (المنتج) قبل ابتكاره. فالصالة هنا محكومة بسرعة الإنتاج والوقت والتنافس وتحقيق المبيعات والمشاركة في المعرض الدولي الذي من دونه ستختفي تقريباً مع الوقت (دراسات أجنبية تناولت أثر المعارض السلبي على الصالات الصغيرة).
من هنا تتأتّى خطورة هذه المعارض التي نحتاج نحن المتفرجون الغافلون عن قيمتها؛ إذ لسنا مشاركين ولا مقتنين، إلى من يبحث فعلاً عن جدواها ومن يكشف لنا ملابسات سوق الفن في المنطقة العربية.