قد لا تكون مجلّة "ذي نيويوركر" أكثر المجلّات الأميركيّة توزيعاً وانتشاراً، لكنّها من أهمّها وأرفعها. وقد لا يكون المهرجان السنويّ الذي تعقده المجلة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، الأشهر والأضخم والأكثر جذباً لكبار النجوم أو من يطلق عليهم "الميغا ستارز"، لكنّه، كالمجلّة التي تنظّمه، شديد الأهمية والتأثير.
أهميّة لا تنبع من اسم المجلّة العريقة فحسب، بل أيضاً من قدرة منظمّيه على إيجاد خلطة سحرية تجعل مدته القصيرة (ثلاثة أيام) متخمة باللقاءات المهمّة والأحداث الشيّقة والمتنوعة.
حرصت "ذي نيويوركر" على أن يكون "المنشق" الأميركي إدوارد سنودن، المستشار السابق في "وكالة الأمن القومي"، من نجوم مهرجانها هذا العام. فأجرت محررة المجلة جين ماير عبر الـ"فيديو كونفرنس" حواراً مع أحد أشهر المطاردين من قبل أجهزة الأمن الأميركيّة بعد أن فضح تجسّس الحكومة على اتصالات الهواتف والإنترنت.
وتزامن الحوار مع عرض "مهرجان نيويورك السينمائي" فيلماً تسجيلياً مثيراً بعنوان "المواطن رقم أربعة" يصوّر وقائع إقامة سنودن في موسكو بعيداً عن الأجهزة الأمنية الأميركية، ليكون المطلوب لأجهزة الأمن نجماً لمهرجانين يقامان في قلب نيويورك.
وفي رد حول إقامته في الصين وروسيا بعد هروبه، وهي دول لا يُعرف عنها حرية المعرفة التي يدافع عنها، أوضح سنودن أنه لم يقم في الصين بل في هونغ كونغ لفترة خلال بحثه عن مكان آمن. وأضاف أنه لم يكن ينوي أبداً البقاء في روسيا، بل كان يعبر فيها قادماً من هونغ كونغ ومتجهاً إلى أميركا اللاتينية، حين مُنع من ذلك، ليجد نفسه مجبراً على الإقامة في روسيا.
وبيّن أنه حين يستعيد ملابسات ما حدث، يعتقد أن ذلك كان أمراً مخططاً له كي يتم تشويه سمعته لدى المواطن الأميركي فيرى فيه جاسوساً هارباً إلى روسيا التي تعادي بلاده. ونفى سنودن أن يكون بحوزته أية وثائق، كما أشيع بهدف ترسيخ صورة الجاسوس الهارب إلى الأعداء بوثائق الوطن، مؤكداً أنه سلّم كل ما لديه من وثائق للصحافيين.
وأكد سنودن استعداده للعودة إلى أميركا شريطة محاكمته علانية، ومن دون حجب وقائع الجلسات عن الجمهور بدعوى الحفاظ على الأمن القومي. وبين أن آخرين سبقوه في فضح حقائق مخفية عن الشعب الأميركي أجريت لهم محاكمات سرية غير عادلة ولم تتح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام الرأي العام.
وحين سألته المحررة عمّا إذا كان يشعر حتى الآن بخطر حقيقي على حياته، قال إنه يتوقع ذلك دائماً. أجاب بحزنٍ بالغٍ فشل في إخفائه خلف ابتسامة عريضة رسمها على وجهه طيلة الحوار. لا يكف سنودن عن تذكير نفسه بأنه ليس بطلاً بل مجرّد شخص عادي ليس لديه ما يحميه من التعرّض للأذى. وبالمقابل يعزّي نفسه بأنه إذا أصيب بمكروه فإنه قد قام بعمل يستحق التضحية.
إلى جانب سنودن استضافت "ذي نيويوركر" نجوماً في مجالات مختلفة. وربما كان النجم كيفر ساذيرلاند، بطل سلسلة "24" التلفزيونية والممثل جيف غولد بلوم أبرز ضيوف المهرجان من المشاهير بالنسبة إلى قوس واسع من الجمهور العربي الذي لا يعرف من "نجوم" أميركا إلاّ الوجوه الهوليووديّة الأكثر جاذبية.
على أيّ حال، فإنّ المهرجان استضاف في نسخته التي اختتمت أخيراً أسماء معروفة في أميركا، لكنها لا تحظى بإقبال واسع في منطقتنا مثل مالكولم غلادويل، ودينيس جونسون، ولويس ميناند، وكارل أوفيه كانوسغارد، ونجوم كوميديا مميّزين مثل لاري ديفيد، وبيل هايدر؛ وموسيقيين من أجيال وتجارب مختلفة مثل راندي نيومان، ونيل يونع، وستينغ، إضافة إلى لقاء عبر الأقمار الصناعية من بكين مع الرسام الصيني المشاغب والمثير للجدل آي وي وي، الذي تمنعه السلطات من مغادرة البلد منذ العام 2011.
كما شاركت المخرجة مايرا نير والروائي أخيل شارما بندوة "الهند الأم". وأقيمت ندوة عن خارطة المخ البشري وكيمياء الذاكرة الإنسانية، وأُخرى بعنوان "دعني أطير إلى القمر" عن الرحلات الشخصية إلى الفضاء شاركت فيها رائدة الفضاء البارزة وولي فانك، ورئيس مجلس إدارة شركة "مارس ون" التي أنشئت في هولندا بهدف تحقيق حلم إقامة مستعمرة بشرية في المريخ، وبيل ستون صاحب شركة تقوم بتطوير تكنولوجيا لمساعدة الإنسان على استكشاف الفضاء.
من دون أن ننسى مناظرة طريفة عنوانها "أيهما أفضل، الكلاب أم القطط، وأيهما أكثر استحقاقاً للقب أفضل حيوان أليف؟". ما يلفت الانتباه في هذه المحاضرة أنّ المشاركين فيها كانوا أسماء لامعة من نوعيّة الممثّل الشاب جيسي أيزنبرغ والكاتبة جويس كارول أوتيس والكاتب مالكوم غلادويل.