بينما كانت ما تسمى "وزيرة الثقافة الإسرائيلة" تدمع عيونها على عزف نشيد الاحتلال الإسرائلي عند مستقبليها الحميمين في دولة "الإمارات العربية المتحدة"، كانت "الإمارات" تشرف - من خلال ما يسمى "الهيئة العربية للمسرح" - على "مهرجان فلسطين الوطني للمسرح" دون أن نسمع كلمة احتجاج واحدة من مشاركي المهرجان الذي اختتم أول أمس في رام الله برعاية "الهيئة" إياها.
منذ تأسيس "الهيئة العربية للمسرح" في الشارقة وهي تتطفل على المهرجانات الوطنية للمسرح في العالم العربي وتستغل سوء أوضاعها الاقتصادية. وهذا التطفل يبدو منطقياً لدى بعض المنتفعين من أموال هذه التظاهرات، خصوصاً أنها مجرّد ديكورات للأنظمة لزوم التنوير الشكلي وديمقراطية الاستبداد، ولا يمكن بحال أن تحاكي مهرجانات المسرح في العالم، وغالبيّتها حرّة ومبدعة ومجرّبة، تحطّم القوالب وتتطوّر من عام إلى آخر.
أمّا مهرجانات المسرح العربية الرسمية، فهي رسمية فقط في يوم الافتتاح. فبعد خروج الوزير الذي يكون قد ألقى خطبة عصماء في دعم الثقافة والإبداع ومؤخراً التنوير ومحاربة الإرهاب. وبعد سماع أمنيات التوفيق من "رئيس المهرجان"، تنفرط حبّات المسبحة ويبدأ "المسرحيون" برنامجهم الحقيقي في السهر والتآمر على بعضهم البعض. وفي الختام، تُوزّع الدروع على جميع الفرق، في انتظار مهرجان آخر في عاصمه أخرى لاستعادة ما سبق ذكره.
في ظل هذا الترهّل وغياب الإبداع وروح المنافسة على خشبات المسرح، تأسّست "الهيئة العربية للمسرح"(يا للاسم الرنان!) في دولة الإمارات التي نصّبت نفسها بدون وجه حق وصية على الثقافة العربية، متعالية بفجاجة على الثقافة في بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي.
أقامت "الهيئة" المهرجانات من خلال لجانها المتعدّدة المواهب، وهم في الأصل من كانوا من روّاد الصف الثاني في المهرجانات المسرحية العربية، فنشروا ورشاتهم في الكتابه المسرحية والسينوغرافيا في عواصم عربية عدّة، ومنحوا جوائز الإبداع على اسم شيخهم السخي، والذي حظي بكتابة كلمة "يوم المسرح العالمي" قبل سنوات ليحجز مقعداً إلى جانب عظماء المسرح العالمي، أمثال بريخت وإبسن.
دخلت "الهيئة العربية للمسرح" فلسطين من بوّابة المهرجان الأول، بينما لا تزال "وزارة الثقافة الفلسطينية" عاجزةً عن دعم أي فعل حقيقي في فلسطين، فدورها يتركز على التقاط الصور و"الإسهام" كلما سنحت الفرصة في البروتوكول الرسمي العربي الممل والمعادي للثقافة في جوهره.
هكذا، أقامت "الهيئة" مهرجانها في رام الله على اعتبار أنها عاصمة عربية، واستجلبت معها أيضاً أعضاء في "لجنه المهرجان العليا" على اعتبار أن مسرحيّي فلسطين مجرّد ديكور. وبدا المهرجان في رام الله نسخة طبق الأصل عن المهرجانات الخالية من الإبداع التي تتواتر منذ سنوات في بعض العواصم العربية.
لقد حقّقت الحركة المسرحية الفلسطينية، بإمكانياتها الفردية المتفاوتة، مهرجانات مسرحية حرّة وحقيقية، في القدس المحتلة وبعض المدن الفلسطينية الأخرى، وكانت القدس دائماً هي المركز والبوصلة، وفيها نمت الثقافة الفلسطينية رغم قمع الاحتلال، ومنها انطلقنا كمسرحيّين إلى العالم وحصدنا النجاح والاحترام، من دون ميزانيات سخية ولا رعاية تحوّل المسرحيين إلى متلقي عطايا وفتات، لا ينتظر منهم سوى إجزال الشكر والثناء.
لا، نحن لسنا متسوّلين ولسنا بحاجه إلى مهرجانات توزيع ربطات الخبز ووجبات رمضان، وآخرها مهرجان "المسرح"؛ فالاحتلال يدخل بلادكم بعلم ونشيد واحتفاءات، والفلسطيني لا يحصل حتّى على تأشيرة زيارة.
*مخرج وممثل مسرحي فلسطيني من القدس