رغم أن اسم روزا لوكسمبورغ (1971 - 1919) يعدّ من بين أبرز رموز اليسار، إلا أن هذا الحضور متعلّق أساساً بمواقفها السياسية ضمن النضال اليساري في بدايات القرن العشرين أو تلك المناهضة للحرب (العالمية الأولى)، فيما تبدو نصوصها على هامش هذا الاهتمام.
بمناسبة صدور مختارات من نصوصها باللغة العربية، حملت عنوان "عن الثورة والحزب وأفول الرأسمالية" (ترجمة: أحمد فاروق، 2016)، نظّمت مؤسسة "روزا لوكسمبورغ شتيفتونغ" الألمانية في مقرّها في تونس العاصمة أوّل أمس الجمعة ندوة حول تقبّل فكر المناضلة اليسارية عربياً وراهنيّته بمشاركة أكاديميين تونسيين.
في كلمتها، تناولت أستاذة الفلسفة في الجامعة التونسية، زينب بن سعيد، فكر لوكسمبورغ انطلاقاً من اختلافاتها مع القيادات اليسارية في عصرها مثل لينين وتروتسكي وبرنشتاين.
تشير بن سعيد إلى أن لوكسمبورغ تنطلق من أن السياسة لا تعني الحكم والقيادة، بل هي فضاء للصدام، وهي رؤية جعلتها "ثورية وواقعية في آن"، فالجانب الثوري يتجلّى في القدرة على إعادة النظر في المفاهيم والمواقف التي تطبّقها على الواقع، كما هو الحال بالنسبة إلى موقفها من النقابات بين 1898 و1905. أما الجانب الواقعي فيظهر في كونها كانت تقول بأن "الرأسمالية لن تنتهي قريباً" وكانت تقدّم رؤية أبعد من السياقات الغربية، إذ اهتمت بانعكاساتها في مجالات غير أوروبية، فالرأسمالية بحسبها يمكن أن تتطوّر دون أن تتقدّم بالمجتمعات، وهو ما حصل ويحصل بأشكال مختلفة من الاستعمار إلى اليوم.
كما تلتقط بن سعيد مقولة لها ترى فيها أن توسع الرأسمالية تنجرّ عنه انقسامات إثنية في المناطق التي تحدث فيها، وكأنها تتحدّث عن المنطقة العربية اليوم.
ضمن السجالات التي خاضتها لوكسبورغ، تتطّرق بن سعيد إلى موقفها من مسألة الحزب إذ قالت المفكّرة الماركسية إن "التنظيم يمكن أن يكون نتاج الصراع وليس بالضرورة سابقاً عليه".
تشير بن سعيد إلى أن هذه الأطروحة لم تجد في بداية القرن الماضي تجربة عملية تدعمها، ولكن نموذج الثورة في تونس كان قريباً من هذه الفكرة، فتطوّر الصراع قد تبلور خارج أي تنظيم. من هذه المواقف تخلص بن سعيد في نهاية حديثها إلى أن لوكسمبورغ كانت في مسيرتها الفكرية أقرب إلى ماركس الشاب.
المحاضرة الثانية ألقاها الباحث في الاقتصاد، حسين الرحيلي، الذي أكّد على أن قدرة لوكسمبورغ على مجابهة زعماء الحركات اليسارية لعصرها، وتفوّقها النظري عليهم، كان بسبب تعمّقها في المسألة الاقتصادية (مجال اختصاصها).
يستند الرحيلي إلى مقال لها نُشر في 1903 بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل كارل ماركس. مقال يتضمّن من ناحيةٍ موقفها من النضال البرلماني الذي تقف ضدّه، وتعتبره يقدّم إصلاحات لا تخيف البورجوازية وبالتالي فإنه يتحوّل إلى أداة للتلاعب بالنضالات الشعبية، ومن ثمّ نادت بواقعية سياسية للبروليتاريا بـ "ألا تضع أهدافاً ليست في متناولها كي لا تحبطها الخيبات".
يفصّل الباحث التونسي أبرز اشتغالات لوكسمبورغ الاقتصادية، وهو نظرية التراكم مرفقاً ذلك بتطبيقات لأفكارها على الراهن، ليؤكد بأنه لم يتغيّر الشيء الكثير منذ مئة عام، ببساطة لأن الرأسمالية محكومة بالتراكم.
ترى لوكسمبروغ أن التراكم يقتضي تطوير قوّة العمل، ولكن لكي لا تتحوّل هذه القوة ضد الرأسمالية فهي تسعى إلى تحقيق الاحتياجات من دون تحقيق الرغبات لإجبار العمال للعودة إلى مواقع استغلالهم. من جهة أخرى، يحتاج التراكم الى بيع المنتجات بشكل متنامٍ من خلال توسيع حاجيات المجتمع وتدمير بُناها كي يسهل استغلال قوة العمل فيها.
صالح مصباح كان صاحب المحاضرة الأخيرة، والذي بدأها بملاحظة تتعلّق بمساهمته سابقاً في مشروع بحثيّ حول التقبّل العربي لروزا لوكسمبورغ، ومن خلال ذلك يستنتج أن وضعها عربياً يشبه وضعها في مجمل اليسار العالمي حيث حُكم عليها بـ "الإخفاء، أو بعبارة أخرى بالغبن".
يشير مصباح إلى أن ترجمات لوكسمبورغ إلى العربية في ستينيات القرن الماضي كانت ترجمات تهدف إلى استعمال حججها ضد تيارات يسارية ذهبت إلى "النزعة الإصلاحية" التي قاومتها ضمن سجالها مع برنشتاين، وكذلك جرى استجلاب نص روزا لضرب التيارات القومية أو استخدام قولها في القول بعدم وجود حركة نسوية باعتبار أنها كانت تعتبرها حركة ليبرالية، وفي المحصلة ظلّت نصوصها محكومة باستعمالات سيئة.
يلاحظ مصباح أن الإنترنت منحت لأعمال لوكسمبورغ حياة جديدة، خصوصاً أن الترجمات السابقة اندثرت في ظل محدودية طبعاتها وإغلاق أغلب دور النشر التي أصدرتها. لكنه في المقابل يشير إلى أن قرّاء اليوم هم أقرب إلى قراءة الراهن، وخصوصاً ظاهرة العولمة، على ضوء كتاباتها، خصوصاً وأننا نلتقط منها فكرة أن العولمة قد بدأت في القرن الخامس عشر، وأن الرأسمالية في حاجة دائمة للتوسّع، وبالتالي لمجال جديد لتدميره.