منذ أيام استعادت "العربي الجديد" الشاعر السوداني المنتحر أبو ذكرى، واليوم تستعيد الروائي الأردني المنتحر أيضاً تيسير سبول. وسواء قفز أبو ذكرى من نافذة غرفته، أو أطلق سبول على رأسه رصاصة، فإن الأدباء القادمين من بلاد لامركزية في الثقاقة العربية لن يذكرهم أحد إلا في مناسبة استثنائية كهذه.
مثقف القاهرة وبيروت منهمك بنفسه غالباً، وحتى البلاد العربية، المهمّشة ثقافتها، بالنسبة إلى العالم؛ لديها من تمارس عليه التهميش. لو سألت أحدهم من يكتب في السودان أو اليمن أو الصومال أو الأردن، فإنه لن يعرف غالباً. والأمر ينسحب على كتّاب كبار.
خذ غالب هلسه مثلاً. يكاد ألا يذكره أحد، رغم أنه عاش في القاهرة كمصري، وفي دمشق كسوري، وفي بيروت كلبناني، وفي بغداد كعراقي. لكن هذه المدن لا تذكره كواحد من سكانها، ولا تستعيده حتى كصاحب أثر.
وكذلك يأتي المثقف من عواصم بعيدة عن العين والقلب كابن الأرياف، مفتوناً بمدن كبيروت والقاهرة طامعاً فيها. رغم أنها مدن فقدت انشغالها الستيني بالثقافة، ولم يبق منها سوى بضعة أوهام قويّة، ودور نشر تتصيّد، وسمعة "جمالها" الغابر. أمّا بغداد ودمشق فيبدو أن ما بقي منهما هما الاسمان فحسب.
مقابل كل هذا، تحاول مدن صاعدة حشر أنفها. لكن المثقف يعرف في قلبه أنّ ثمة فجوة، وهي تعرف في قلبها أيضاً أن الثقافة ليست صنعتها، حتى وإن اكتظت بالمتاحف المستعارة، فكما يقول المثل: "ثوب العيرة لا يدفئ".