بعد الخبر الذي استيقظ عليه المصريون، حول تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، ضجّت وسائل الإعلام وصفحات المثقّفين والكتّاب والفنانين على وسائط التواصل الاجتماعي، متناولةً الخبر، ومتسائلةً عن مصداقيته، ومستهجنةً عدم استفتاء المصريين حوله وتجاهل حقّهم في إبداء الرأي في قرار سيادي كهذا.
"العربي الجديد" استطلعت آراء كتّاب وفنانين مصريّين، وسألتهم عن تفسيرهم لهذه الخطوة التي أقدم عليها النظام الحالي.
الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم يقول: "السلطات قرّرت فجأةً بيع جزيرتين مصريتين نيابة عن كل المصريين، وهي أرضهم، حتى لو كانتا فارغتين أو مرتعاً للبوم، وهما مصريتان بثبوت كافة الخرائط القديمة منذ 1906، أي قبل نشأة المملكة العربية السعودية".
يضيف "من واجب المثقّف أن يسأل ويسائل ويفهم الدوافع، الآن بالذات، بعدما دفع فيهما مئات الجنود المصريين حياتهم". يتساءل: "السؤال الملح هو كيف تستهين السلطة بنا إلى هذا الحد، وفجأة، ومن دون مقدّمات، ألا يطرح ذلك سؤالاً أهمّ: إلى متى سيفعلون هذا، وأليس ثمّة من يوقفهم عند هذا الحد؟!".
يؤكّد عيد موقفه "أنا ضد بيع الجزيرتين المصريتين إلى أي أحد، هل يمكن لك بيع ابنك حتى لو كان مريضاً ويوشك على أن يفارق الحياة ولا أمل في علاجه؟! هكذا أرى الأمر، وأقولها لمن يؤيّد خطوات الدولة حقاً وباطلاً، هذا أمر يخصنا كشعب وكبلد، ولا يجب أن يحدث فيه وعليه أي شقاق".
أما الناشر محمد البعلي، فيقول إن "إعلان الحكومة المصرية أن جزيرتي تيران وصنافير تعودان إلى السعودية تمثّل ذروة جديدة من جبل احتقار السلطة للشعب في مصر، فهي لم تتكلّف عناء التمهيد وإعلان المفاوضات أو طرح الموضوع على مجلس النواب أو للاستفتاء الشعبي، وصدمت به الناس على طريقة عمليات المخابرات".
يضيف البعلي "حدثٌ مثل هذا لن يمر بسهولة، لأن الصدمة التي تلقّى بها الناس الإعلان سينتج عنها رد فعل يرفع من وتيرة العمل المعارض لنظام السيسي، كما سيدفع إلى العمل المشترك دفاعاً عن كرامة الوطن وحق المواطنين في تقرير مصير الأراضي التي اعتبروها لسنوات طويلة جزءاً من بلادهم".
يكمل البعلي "تبادل الحجج حول الجزيرتين لن ينفي حقيقة ازدراء السلطة للشعب المصري وهو ما سيقابله ازدراء متبادل سيزيد يوماً بعد يوم ولا نعرف عند أية نقطة سيتوقّف".
الفنانة التشكيلية سعاد عبد رسول وصفت، في حديثها إلى "العربي الجديد"، خبر التنازل بأنه "مرعب"، وأضافت أنها تنتظر حتى الآن أن يتم تكذيب الخبر، لأن الموضوع يتجاوز مجرد جزيرتين، معتبرةً الأمر "تنازلاً عن الهوية المصرية وعرضاً للثقافة والهوية المصريتين للبيع".
تضيف عبد الرسول: "طريقة استقبال الملك سلمان بالألعاب النارية وزيارته للأزهر والبرلمان ومنحه الدكتوراه الفخرية، وإغلاق الشوارع؛ كل هذه الإشارات لا تدل على مجرّد زيارة ملك دولة لدولة أخرى، ولكنها علامات على الانبطاح الذي اكتمل بعد أن تفضّلت الحكومة المصرية وتنازلت عن الجزيرتين عن طيب خاطر".
رئيس مجلس إدارة "مؤسّسة الأهرام" أحمد السيد النجار كتب على صفحته الشخصية على فيسبوك "سلاماً لحدود مصر من جزر تيران وصنافير إلى السلوم.. الشعب المصرى العظيم بذل أزكى الدماء وأنبل الأرواح دفاعاً عن استقلاله الوطني وحدوده من حلايب وشلاتين وجزر تيران وصنافير وطابا ورفح شرقاً إلى السلوم والعوينات غرباً، ومن أبو سمبل جنوباً إلى البحر المتوسط شمالاً، وما زال مستعداً للبذل والعطاء بلا حدود من أجل صون كنانته وسيدة حضارات الدنيا".
أكمل النجار: "وتبقى أم الرشراش جوهرة مسروقة ويقيني أننا سنستعيدها يوماً. ومن بين مناطق الحدود، تبرز جزر تيران كجوهرة دافعت عنها مصر ببسالة استثنائية وبذلت الدماء والأرواح لأنها المضائق التى يمكن أن تحكم خليج العقبة فى لحظات المصير.. سلاماً لكل مفردات حدودنا الوطنية غير القابلة للمساس لأنها لحم ودم مصر وخريطة بطولات شعبها وحدود وجودها الباقى إلى الأبد".
بدا أن في المسألة شيء من الضبابية بالنسبة إلى التشكيلي سمير فؤاد. يقول: "الإعلان الرسمي يرمي إلى ترسيم الحدود، من دون تفاصيل حول ذلك؛ ثمّ نتيجةً لهذا أصبحت الجزيرتان تابعتين للسعودية". يضيف: "ثم صدرت بيانات تقول إنهما أصلاً تابعتان للسعودية التي وضعتهما تحت الحماية المصرية عام 1950".
يتساءل فؤاد: "هل الموضوع ترسيم حدود، أم إعادة جزر إلى أصلها السعودي؟ يجب توضيح هذا بشفافية. كان الأمر مفاجأة للمصريين، خصوصاً بما تمثّله هذه الجزر لتاريخ النضال الوطني".
أما الفنان التشكيلي محمد عبلة، فكانت له وجهة نظر إشكالية في ما حدث؛ حيث رأى أن "الجزر ثابتة في مكانها في البحر، كما أن مفهوم السيادة تغيّر وأصبح أكثر مرونة من ذي قبل".
يتابع "لم تحظ الجزيرتان باهتمام مصري أو سعودي من قبل، رغم كونهما محل خلاف صامت بين البلدين، لكن الحكومة المصرية هي التي عرضتهما على حكومة المملكة".
يؤكّد عبلة ترحيبه بفكرة إقامة الجسر بين البلدين لأنه "سيشكّل رابطاً بين الشعوب، إضافة إلى أهميته في طرق التجارة الجديدة التي ترغب المملكة في أن تكون جزءاً منها، تماماً كما ترغب مصر في فتح طرق تجارية جديدة، لأن قناة السويس بمفهومها القديم لم تعد جاذبة للتجارة العالمية".