لم تغلق قضية نقل المنابر الأثرية من مساجد القاهرة التاريخية، بالرغم من الهدوء النسبي الذي ساد بعد حالة الجدل الموسّع. هذا الهدوء جاء بعد تصريحات مسؤولي الآثار بالتوقف عن نقل المنابر في الفترة المقبلة، كما جرى الإعلان عن أن ما جرى نقله منبر واحد، هو منبر "مسجد أبو بكر مزهر" وبعض المشكاوات، إلا أن السجال لا يزال مفتوحاً منذ نيسان/إبريل الماضي رغم ذلك. وقد تشكّل مؤخراً تجمّع لمتابعة قضية نقل المنابر تسمّى بـ"مجموعة إلغاء القرار 110".
ترى المجموعة أن إلغاء القرار 110 هو الحل الجذري لمسألة نقل المنابر الأثرية، وهو القرار الذي خوّل وزير الآثار تنفيذ عملية نقل المنابر والمشكاوات وكراسي المقرئين الأثرية من مساجد القاهرة التاريخية بموافقة من مجلس الوزراء، وتعتبر المجموعة أن ما دون إلغاء هذه المادة يعد تسكيناً للقضية، وتسكيتاً للرأي العام والصحافة.
تتشكل "مجموعة إلغاء القرار 110" من مجموعة من المعماريين والأثريين والصحافيين والكتّاب والمحامين، وتهدف إلى أن تكون بمثابة جماعة رقابية مستقلة لمتابعة القضية، وهي جماعة منبثقة عن جماعة أكبر تعمل تحت مسمى "الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار"، وقد سبق أن تحرّكت هذه الحملة في السنوات الماضية ولفتت نظر الرأي العام والحكومة للتجاوزات التي تحدُث في القاهرة التاريخية، وهو ما يهدد بحذفها من قائمة التراث الإنساني الذي تضعه منظمة "يونسكو".
"مجموعة إلغاء القرار 110" بدأت تأخذ خطوات عملية لملاحقة قرارات وزير الآثار في ما يخص موضوع نقل المنابر الأثرية من بيئتها، ومن أبرز هذه الخطوات هي البلاغ المقدم للنائب العام من جانب المحامي عبد الغفار مغاوري، والمعروف بـ "البلاغ رقم 4813 لسنة 2018 عرائض"، وفيه مطالبة بشكل عاجل بالتوقف عن مشروع نقل المنابر الأثرية من مساجد القاهرة التاريخية باعتبارها ملكية عامة، ولا يحق للدولة التصرّف في نقلها إلا بعد استفتاء عام عادل وبناءً على نقاش مفتوح بين المتخصّصين الأثريين.
يقول المحامي عبد الغفار مغاوري، في تصريحات لـ "العربي الجديد": "إن نقل المنابر بشكل عشوائي من المساجد التاريخية يعرّضها للتلف، فهذه الآثار لم تتعرض لا للنهب ولا الحرق في أكثر الأوقات التي كانت تعاني فيها مصر من حالة انفلات أمني، وفي المقابل تسرق الآثار من مخازن المتاحف ويتم تهريبها خارج مصر وهي تحت الحراسة والرقابة، فضلاً عن الحرائق التي انتشرت في المتاحف مؤخراً، آخرها حريق المتحف الكبير. كل هذه الحوادث تعرّض المنابر والآثار بشكل عام للخطر".
ويضيف مغاوري: "السياحة الدينية في مصر مهمّشة بشكل كبير، فبدلاً من أن تهتم الدولة ووزارة الآثار بتنشيط هذا النوع من السياحة بتطوير المساجد الأثرية في القاهرة التاريخية، ها هي تعمل على تفريغ تلك المساجد من محتواها، وبذلك تقتلع التطلع إلى تحقيق السياحة الدينية من جذوره".
مغاوري استند إلى قانون العقوبات المصري الذي ينص على أن "من يتسبّب في نقل أي أثر أو إتلافه فهو يعرّض نفسه والموظفين القائمين على عملية النقل والإتلاف للسجن المشدد" وبناء عليه يهدّد بمقاضاة من يتسبب في إتلاف الآثار، أيا كان منصبه.
وكانت "مجموعة إلغاء القرار 110" قد قامت بإصدار بيان بشأن موضوع نقل المنابر، وفيه تأكيد على تمسّكهم واستمرارهم من أجل إلغاء القرار 110 الصادر عن مجلس الوزراء بجلسة رقم 110، في 20 شباط/فبراير من هذا العام، والذي جرى تبعاً له "الموافقة على نقل المقتنيات الأثرية من المساجد الأثرية إلى وزارة الآثار، حفاظاً عليها من السرقة. على أن تتولى وزارة الآثار توفير مستحقات بديلة لهذه المقتنيات بمعرفتها، وأن يتم ذلك من خلال لجان مشتركة ومحاضر رسمية" بحسب نص القرار.
واعتبر البيان مسألة التوقف المبدئي عن نقل المنابر الأثرية لا يعني بأي شكل أن القرار قد جرى إبطاله أو تجميد العمل به، وإنما يعني تمسّك الوزارة بما تعتبره حقاً قانونياً في التعامل مع الآثار الإسلامية والقبطية التي يشملها القرار، وهو ما يعني بالنسبة لـ "مجموعة إلغاء القرار 110" أن سكّين البتر سيظل معلقاً وفاعلاً وقادراً على أن يجتث كل ما تقرره تلك اللجان من عمليات تجريف قادمة للآثار المصرية، والتي يمكن أن تتم بشكل سري وغير معلن، في إشارة إلى أحد بنود القرار.
البيان وقّع عليه عدد كبير من الكتّاب والمعماريين والأثريين والصحافيين، منهم الباحثة جليلة القاضي، والكاتبة أهداف سويف، والصحافية حنان حجاج، صاحبة الفضل في كشف موضوع نقل المنابر الذي كان وزير الآثار، خالد العناني، ينوي العمل عليه بشكل "سري للغاية" على ما يبدو. يذكر أن تقرير حجاج أشار إلى 55 منبراً سيجري نقلها وتخزينها، بل أشارت أيضاً إلى أنها ستفكك.