في عام 1943، سيترك فرانسيس بيكون عمله كمنقذ في الدفاع المدني خلال الحرب العالمية الثانية بعد أن تفاقم مرض الربو لديه، ليستأجر كوخاً بالقرب من مدينة هامبشاير البريطانية، وهناك ستتسرّب الحرب إلى لوحته عبر تشوّهات الجسد الإنساني، والتي سيعبّر عنها معرضه "دراسة ثلاثية لشخصياتٍ مصلوبة" في العام اللاحق.
يسيطر التوتر والرعب والعنف الداخلي على لوحاته منذ الخمسينيات، في رصده للقيود والأفكار المحافظة التي تفرضها المجتمعات الغربية على أفرادها، والتي عبّرت عنها ثورة عام 1968 في مختلف أشكال الفنون، وصولاً إلى انتحار صديقه جورج داير الذي جمعته به علاقة مثلية وشكّل مصدر إلهامه عام 1971، حيث أفضى به إلى عزلة استمرّت حتى رحيله.
العقدان الأخيران من حياة الفنان البريطاني (1909 – 1992) هما موضوع معرض "بيكون: كتب ولوحات" الذي يفتتح الأربعاء المقبل، الحادي عشر من الشهر الجاري، في "مركز بومبيدو" بباريس، ويتواصل حتى العشرين من كانون الثاني/ يناير 2020.
في ستّ قاعات، يُعرض ستون عملاً منها اثنتا عشر لوحةً من لوحاته ثلاثية التكوين، إلى جانب سلسلة من الصور واللوحات الشخصية، وهي، كما يشير كتاب يحمل عنوان المعرض نفسه شارك فيه عدد من المحرّرين الفنيّين ويصدر مطلع العام المقبل، تُبرز أهمية علاقة نتاجات بيكون بالأدب في أواخر حياته.
تحت تأثير موت داير، رسم العديد من اللوحات التي أهداها إليه تترجم شعوره بالفقد والذنب معاً، لأنه لم يلبِ دعوة لحضور حفل له، فانتحر بعده بأيام، وخلّده في بورتريه شهير، وكذلك لوحة ثلاثية تصور لحظات انتحاره.
تُشكّل أعمال الكاتب المسرحي الإغريقي أسخيلوس مرجعية أساسية لدى الفنان، مفتوناً بمقولة تصوّر طبيعة العنف البشري وردت على لسان بطل إحدى مسرحياته: "إراقة الدماء تبتسم في داخلي"، بينما يشير عملٌ رسمه عام 1978 إلى قصيدة "الأرض اليباب" لـ إليوت، إضافة إلى تأثير جورج باتاي وجوزيف كونراد وفريدريك نيتشه وميشيل ليريس الذين كانت مؤلّفاتهم الأبرز في مكتبته.
يتجه الشكل البشري في معظم لوحات بيكون إلى الانتهاء والتلاشي والموت كنهاية للحالة المزرية التي يعيشها، وهي تحاكي حالة البشر الذين يقدّمون أنفسهم كضحايا لإنقاذ الآخرين، حيث جميع الأجساد هي مجرّد لحوم وجثث محتملة.