تعدّدت مشاغل الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889 - 1976)، من الميتافيزيقا إلى الفن، مروراً باللغة والمنطق والحداثة والتقنية والعلم وأزمة الإنسان المعاصر. ومع هذه الاهتمامات يمكن أن نضيف الشعر، وهو مبحث يعتبره دارسو فكره حاضراً في مختلف المباحث التي خاضها على الرغم من عدم ظهوره بشكل مباشر سوى في قراءته لشعر فريديش هولدرلين (1770 - 1843).
"هايدغر والشعري" عنوان ندوة تقام مساء اليوم بتنظيم من قسم الفلسفة في "دار المعلمين العليا" في باريس، وهي مؤسسة جامعية عرفت باهتمامها بالفيلسوف الألماني حتى في تلك السنوات التي كان فيها شبه مقصيّ من الحياة الفكرية الفرنسية بسبب تبعات الحرب العالمية الثانية وما عاشه الفرنسيون من احتلال ألماني في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، خصوصاً وأن هايدغر سبق له وأن انتمى إلى الحزب النازي.
تحاول الندوة فهم علاقة صاحب كتاب "الوجود والزمان" من خلال أعمال مختلفة أنجزها، حيث تخصّص خمس جلسات، تحمل الأولى عنوان "قول الحاضر" وفيها ينطلق المشاركون من قراءة في كتاب "مدخل إلى الميتافيزيقا".
أما الجلسة الثانية فتستند إلى مقولات هايدغر في كتابه "أصل العمل الفنّي"، وهو عملٌ كان له تأثير كبير على الدراسات الجمالية في الفكر الحديث، لكن كثيراً ما جرى حصر تطبيقاته على الأعمال التشكيلية وقلما تمّ الالتفات إلى إمكانية مقاربة الشعر، والأدب بشكل عام، من خلاله.
تخصّص الجلستان الثالية والرابعة لعلاقة هايدغر وبهولدرين، إذ تحمل الأولى عنوان "الطبيعة والمقدّس" وفيها عودة لتعليقات هايدغر حول قصيدة "مثل يوم عيد" للشاعر الألماني. أما الجلسة الموالية فهي بعنوان "كيف نقرأ قصيدة"، ويحاول المشاركون فيها تبيين كيف كان يقارب هايدغر الشعر من منظور فلسفته.
تختتم الندوة بجلسة بعنوان "التمثيل في كتاب "عصر تصورّات العالم"، وهو عمل يبدو في القراءة الأولى متعلقاً بقضايا بعيدة كل البعد عن الشعر مثل الفلسفة وموقعها من بقية المعارف، والعلم وما يصنعه بالإنسان، غير أن جميع هذه المسائل يمكن إعادة قراءتها على ضوء فهم هايدغر لكل ما هو شعري في العالم.