في معرضه الأخير، في فضاء "أيام بروجيكت"، في بيروت، يقدّم التشكيلي السوري عبد الكريم مجدل بك (1973) رؤيته لمفهوم الديمقراطية في العالم العربي من خلال تجهيزات تندرج تحت عنوان "ديمقراطية مؤجلة".
"الخروج إلى الضوء أو الديمقراطية" هو العمل الرئيسي في المعرض، يجرّب فيه الفنان الدمج بين حالة التكرار، بما تحمل من دلالات صوفية، وبين المفهوم السياسي القائم على غياب الديمقراطية في منطقتنا. تعتمد الفكرة على تكرار عنصر واحد، هو إصبع السبابة الذي يبدأ بالظهور تدريجياً من القاعدة، مشكلاً نسقاً حلزونياً تصاعدياً، لينتهي على شكل يد كاملة.
اقتراح الفنان للشكل الحلزوني، الذي يستحضر مسار النمو في الطبيعة، يقربّه من هيئة الزقورة المنتشرة في حضارات المنطقة القديمة، وما تحمله من دلالات رمزية؛ إذ تمثّل دورة الحياة والموت، ثم البعث من جديد، كما تمثّل الرحلة من الأرض (الفانية) إلى السماء (السرمدية). "زقورة" مجدل بك تمثّل أيضاً رحلة ارتقاء، لكن في اتجاه الديمقراطية.
الأصابع، العنصر الأساسي في العمل، تنتصب في اتجاه السماء، يغطّي أطرافها العليا اللون الأحمر، في البداية، لتتعدد ألوانها وتتمايز عن بعضها لاحقاً، في إشارة إلى التنوع الثقافي والإثني في المنطقة. الألوان، هنا، تنوب عن لون الحبر الأزرق الذي يستخدمه الناخب، عادةً، عند ممارسة حقه بالاقتراع، العملية شبه المغيّبة في بلداننا العربية.
بصمة اليد هي أيضاً من مفردات عملية الانتخاب، ويقدّمها الفنان عبر ثلاثية، يحمل كل جزء منها شكل بصمةٍ عملاقة ملونة بالأزرق والفضي والأسود. لا يخفي مجدل بك رغبته، هنا، في إضفاء نوع من الامتياز لهذا العنصر عبر تكبيره وتكراره.
عمل آخر بعنوان "صندوق الاقتراع" نشاهد فيه أصابع مبتورة وملوّنة مصطفّةً بكثافة، محاكيةً بطريقة تموضعها شكل حشدٍ بشريٍ، داخل صندوق من الزجاج الطيّع. وضعُها بهذه الطريقة يمنحها حالة اللقية الأثرية أو التحفة التي توضع عادة في المتاحف. وحول هذا العمل، يعلّق الفنان: "الصندوق هو صورة شكلية فقط. كلّ واحدٍ منّا يعرف أنه كذلك، ويعرف أنّ أيّ شكوى تذهب أدراج الرياح. ستظل الشكاوى محبوسة في صناديق مقفلة، مثل أصوات أصحابها التي لن يسمعها أحد".
ربما هو المشروع الأول لمجدل بك الذي يعتمد على التجهيز كنوع فني، لكن المتابع لتجربته يلاحظ تمهيدات سابقة فيها تشي برغبة في إخراج اللوحة من شكلها التقليدي عبر إقحام عناصر جديدة عليها، كما في مجموعة "دارات كهربائية" (2003)، أو حديثاً في ثلاثية "سوريا الحرائق"، التي استوحى عنوانها من رواية "دمشق الحرائق" لزكريا تامر، حيث نشاهد عنصر السكين يتكرر بشكل أفقي على عرض اللوحة، مخلّفاً أثر حريق على القماش، "قماش الخيمة العسكري".
لقد فرضت التراجيديا السورية على مجدل بك وغيره من الفنانين السوريين تغييرات عنيفة انعكست على تفاصيل حياتهم اليومية، وأيضاً على شكل العلاقة مع منتجهم الإبداعي. الفنان الذي انصبّ انشغاله في السابق على رصد الزمن ورسم الأثار التي يخلّفها على الجدران، كأثر المطر، خربشات الأطفال، كتابات المراهقين، نعوات الموتى؛ سيطرت على أعماله لاحقاً مفردات تعبّر عن الموت والحرب، كالصّلبان والسكاكين والفخاخ والأسلحة المتنوعة والرصاص.
"كان للثورة في سورية تأثير كبير في أعمالي. أصبحتُ أمام واقع فرض تغيّراً كبيراً على تجربتي السابقة وانزياحاً الى النكبة العامة والألم العام"، يقول مجدل بك.
ورغم سيطرة مفردات العنف والموت على أعماله الجديدة، إلا أن هذا لم يمنعه من التجريب والانفتاح على أشكال تعبير جديدة. وخير مثالٍ على ذلك معرضه "ديمقراطية مؤجلة" المستمر حتى العاشر من كانون الثاني/ يناير 2015.