من يُقلّب في تعليقات أصدقاء خليفة، وكذلك كثير من مرتادي المعرض سيجد الكثير من الحديث عن قلة التنظيم، وعن الازدحام وضيق الممرات، والبيع اليدوي في جناح "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، حيث مسألة شراء كتاب تتطلب صبراً، بوجود موظفين غير محترفين يأخذون وقتاً في تسجيل كل كتاب مباع باليد، وسعره، بينما الناس تيأس بعد ساعة من انتظار دورها وتغادر المكان، وفقاً للشهادات المختلفة على وسائط التواصل الاجتماعي.
لم يحدث مثل هذا الأمر في موقع معرض الكتاب السابق، ولا في التظاهرة التي تجاوز عمرها الخمسين سنة، ورغم الشكاوى المختلفة من بُعد المكان، وضيقه، ظلت "الهيئة المصرية العامة للكتاب" تروّج له كما لو كان أفضل ما حدث للتظاهرة، بل إن كل ما اكترث له رئيس الهيئة هيثم الحاج علي، في مقابلة أجراها معه موقع "مبتدأ" قبيل المعرض هو زيادة عدد الناشرين، ومساحة "الباركينغ".
يقول علي: "وقعت مشاكل عديدة بسبب عدم القدرة على استيعاب ناشرين إضافيين هذا العام فى المعرض، ونعمل على حل هذه المشكلة في الوقت الحالي.. نحتاج 20 ألف متر، وباركينغ متعدد الطوابق، وفندق، من أجل استيعاب عدد ناشرين أكبر وطلبات معرض الكتاب المتعددة".
من الواضح أن كل ما يكترث له المنظمون هو الناشرون والفندق ومواقف السيارات، وأن مرتادي المعرض أنفسهم ليسوا ضمن الأولويات، كان بالإمكان بدلاً من مشاركة 900 دار نشر وهو الحد الأعلى الذي تستوعبه مساحة المكان، تقليل العدد مقابل توسعة المساحة بين أجنحة الكتب مثلاً، وتوفير مركز طوارئ وإسعاف مدرب يستطيع الوصول لأي موقع في المعرض بأسرع وقت والتعامل مع الحالات الفجائية بحرفية عالية.
المترجم سمير جريس كتب على صفحته: "مؤلم للغاية أن يموت هذا الكاتب الشاب الذي أعلن لتوه عن صدور أول كتبه.. والعبثي في الأمر أنه مات في معرض الكتاب. اختنق من الزحام. ولم يجد نقله إلى المستشفى شيئاً، لقد زرت المعرض العام الماضي، وكانت ملحوظتي التي تناقشت فيها مع بعض الناشرين (...) أن المعرض ضيق جداً، والممرات ضيقة جداً، وبالتأكيد سيكون الزحام في بعض الأيام خانقاً".
وأضاف: "أما الزحام في هيئة الكتاب وقصور الثقافة فغير محتمل، ويزيد من صعوبته العدد القليل للموظفين الذين يبيعون الكتب، والوسائل العتيقة المتبعة والتي تقضي بكتابة عنوان كل كتاب في دفتر الخ... للأسف ساد الرأي، ولعله ما زال سائداً، أن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستقبال كل هؤلاء الناشرين وأن المساحة محدودة. الزحام الخانق لم يعد تشبيهاً وهناك من يختنق بالفعل".
أما الطبيب والكاتب أحمد سمير سعد فكتب "أسباب موت الفجأة أو التدهور المفاجئ في الوظائف الحيوية للجسم قابلة للعكس لو تم التعامل معاها بالشكل المناسب وفي التوقيت المناسب وبالتجهيزات المناسبة".
في البلدان التي تحدد بقاء المسؤول في موقعه بمدى خدمته للجمهور، كان ليستقيل المسؤول عن تنظيم المعرض، إنها فضيحة حقيقية أن يفقد شاب حياته هكذا، لكن ذلك طبعاً لن يحدث في مصر، بل إن رد الفعل الوحيد الذي سوف نسمعه هو الكلام اليائس الذي يحيل كل شيء إلى "القدرية"، وأن عمر خليفة انتهى.
أصبح الموت في الأماكن العامة ظاهرة مصرية في العقد الأخير، يموت الناس بشكل مجاني في أي شيء للدولة علاقة بتنظيمه؛ حريق في الأنفاق، سيول تسببت بها الأمطار، حادثة قطار، أو قد تُرمى من القطار إذا لم تدفع التذكرة لتلقى حتفها تحت عجلاته، والآن باتت تموت أيضاً في معرض كتاب، ألا يقول ذلك شيئاً عن الخلل الكبير والقاتل في العقليات المسؤولة عن التنظيم.
خليفة، كما عرّف نفسه على صفحته في "فيسبوك"، هو كاتب وقاص ومؤلف مسرحي درس في كلية الزراعة بجامعة عين شمس، وكتب مقالات في أكثر من موقع إلكتروني وصحيفة، وقد كان من المفترض أن يشارك في أمسية قصصية خلال "سوق" القاهرة الدولي للكتاب، والآن بات من الواجب أيضاً تحذير مرتاديه بالعموم، وتنبيه العائلات لخطورة اصطحاب أطفالها!