على امتداد شهر شباط/ فبراير الحالي عرضت "قاعة بوشهري للفنون" في الكويت مختارات من الفن المصري المعاصر. الأعمال المختارة هي لثلاثة عشر فناناً وفنانة من جيل ولدت غالبية أفراده في سنوات النصف الثاني من القرن العشرين.
اللافت في أعمال هذا الجيل، بمختلف أساليبه المتنوعة بين النزعة الهندسية ونزعة محاكاة الجداريات المصرية القديمة ونزعة التنقيط الانطباعية وغيرها، أن موضوعاته لا تتواصل مع موضوعات ما سبقه من أجيال، وبخاصة موضوعة التشديد على النزعة المحلية الوطنية، كما برزت لدى محمود سعيد ومحمود مختار، أو النزعة الاجتماعية الثورية، كما برزت في أعمال جمال السجيني وعبد الهادي الجزار.
تحتفي أعمال هذا الجيل بما يمكن أن نسميه نزعة نحو الانفراد والتفرّد، ونحو ترسيخها بكل طريقة ممكنة، ولو بالعودة إلى أساليب التشكيل الأوروبي، والألماني منه خصوصاً، ذلك الذي ظهر بين الحربين، ونجده أساساً في أعمال عمر الظاهر، أو تكوينات الفنون الشعبية الفطرية التي تصادف العابر على جدران البيوت الريفية، وجدران المقابر، كما في أعمال محمد عبلة، أو التوقف عند إيقاعات موندريان الهندسية، مثلما نجد ذلك في أعمال هويدا السباعي.
لا نعني بهذا أن ليس لدى هذا الجيل، الذي يبلغ عمر أصغر فنانيه الخمسة والعشرين عاماً، ويتجاوز عمر أكبر فنانيه الستين عاماً، سوى مصادفات لقائه ببعض تيارات الحداثة الغربية، وأنه عبَر إلى الألفية الثالثة من بوابة نصف قرن طبعته هذه التيارات بطوابعها، فحملها معه، متجاهلاً أن مدارس تشكيلية عربية بارزة (العراقية والسورية والمغربية على سبيل المثال، ومنها المدرسة المصرية ذات الأولوية في هذا المجال)، قد ابتكرت أساليبها ولغاتها وموضوعاتها الدالة على هوية لم يعد يخطئها نظر الناقد والعابر، بل نعني أن هذه المجموعة المختارة ترسم وتلوّن مستخدمة خامات صافية (زيت أو أكريليك) أو خليطاً من الخامات تدخل فيه الأحبار والمواد الصلبة، وعيونها مثبتة على معارض الفن التشكيلي الغربي وروادها، وعلى تفضيلات أمناء المتاحف الغربية وهواة جمع الطرائف في المقام الأول.
بهذا المعنى، فإن خطابها التشكيلي، على عكس خطاب أجيال الماضي، موجّه إلى الخارج وليس إلى الداخل المصري. وحين يكون الخارج هو قاعات المعارض والصالات الغربية، نفهم هذا التعلق بنزعة الانفراد والتفرّد، ليس كموقف فني بل كموقف اجتماعي - فكري أوّلاً.
(عقيلة رياض) |
صحيح أن هناك نزوعاً ظاهرياً نحو تقديم الفني على غيره، ونحو اعتبار التقانة وسيلة وغاية في الوقت نفسه، إلا أن الموضوعات تشي بأن موقف الفنان من بيئته ومحيطه، ومن مشاغل الناس من حوله، مصوّبٌ نحو تقديس الفردية كأسلوب فكر وحياة وتذوّق جمالي.
لا نلمس في هذه المختارات تقديراً للجماعية التي كانت ثيمة شائعة في القرن الماضي، بل وظهرت كعنوان لمعارض هنا، منها معرض الفنان المصري أحمد غانم في الثمانينيات الذي حمل عنوان "الجموع" على سبيل المثال. وهذا ما جعلنا نستدرك ونقول، من المؤكد أن هناك توجّهات تشكيلية مصرية مختلفة، وربما تكون على النقيض من كل هذا الذي اختارت "قاعة بوشهري" تقديمه.
لهذا يظل ما رأيناه هنا خاصاً بثلاثة عشر فناناً مصرياً من الحاضرين في قاعة، وليس خاصاً بالفن المصري المعاصر جملة وتفصيلاً. وحسناً فعل المسؤولون عن القاعة حين وضعوا العنوان الدال "مختارات من الفن المصري المعاصر".
الفنانون المشاركون هم: أسماء النواوي، وأيمن السمري، ورضا عبد الرحمن، وريهام السعدن، وصلاح المليجي، وعقيلة رياض، وعمر الفيومي، وعمر عبد الظاهر، وفاطمة عبدالرحمن، ومحمد الطراوي، ومحمد عبلة، وهند الفلافلي، وهويدا السباعي.
اقرأ أيضاً: محمد عبلة.. عودة الفنان إلى مرسمه